مجلة كلمة الله تعالى

(الدقة في العرفان – بقلم : الدكتورة نور ميري – العدد (78

” عدد خاص “
تكريماً لسعادة سفيرة إتحاد البرمجة الحرفية الكونية الروحية الدكتورة نور ميري حفظها الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد معلم الأمم و رافع الهمم و على آله و صحبه أجمعين و التابعين المخلصين

 تعد الدقة شرط مطلوب و أساس مرغوب لا غنى عنه كما هو معروف عند دراسة العديد من العلوم العقلية كعلم الجبر أو الهندسة أو الكيمياء أو عند العمل بها . أما الذي يغفل عنه الكثيرون فهو الأهمية العظمى والضرورة القصوى للتحلي بالدقة فيما يتعلق بدراسة العلوم الروحية . فكون علوم الروح غنية بالمعاني التي لا تقبل العقلنة – بل هي روح محض كالحب و النور و القدس و الأسماء الحسنى – لا ينفي تلك الضرورة أو يقلل من أهميتها عند الرغبة في البحث فيها كما يظن البعض , بل على العكس فلعل غياب هذه الدقة العلمية عند تناول الروحانيات هي أحد الأسباب التي دفعت البشر اليوم إلى الغوص في بحور الدنس الفكري و الخبص الروحي بعيداً عن الحق و الحقيقة .

و إذا تمعنت في الأحاديث الشريفة التالية فستستشعر تلك الدقة المطلوبة في كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كضرورة لا غنى عنها لمَن أراد معرفة الله سبحانه و تعالى معرفةَ حقة   :

( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ، جهدت الأنفس ، وضاعت العيال ، ونهكت الأموال ، وهلكت الأنعام ، فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ويحك أتدري ما تقول ؟ ” وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ، ثم قال : ” ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه ، شأن الله أعظم من ذلك ، ويحك أتدري ما الله ، إن عرشه على سماواته لهكذا ” وقال بأصابعه مثل القبة عليه ” وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ” قال ابن بشار في حديثه : ” إن الله فوق عرشه ، وعرشه فوق سماواته ” وساق الحديث … ) سنن أبي داوود .

(عن الحارث بن مالك ، أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ” كيف أصبحت يا حارثة ؟ ” قال : أصبحت مؤمنا حقا ، قال : ” انظر ما تقول إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ ” قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها ، قال : ” يا حارثة ، عرفت فالزم ” – قالها ثلاثا – . ” هذه القصة في الحارث بن مالك ، ويقال : حارثة ، وقصة الأم في الحارثة بن النعمان ” ) شعب الإيمان للبيهقي .

و كذلك أشار فضيلة الشيخ العارف بالله الدكتور هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى إلى أهمية الدقة في العرفان حينما تحدث مرة عن أحد ” شروط النجاح في الطريق إلى معرفة الله تعالى ” فقال : ” طالب الوصول إلى الله…….. والدار الآخرة……….. يحتاج أن يكون : عارفاً بطريق الوصول إليه والطرق القواطع عنه وبدقة كاملة ” .

كما نبَّه فضيلة الدكتور في كثير من المناسبات إلى ضرورة أن يتحلى دارس العلوم روحية بالدقة حيث قال : ” يجب الدقة بالفهم والدقة بالاستيعاب والدقة بالسؤال ” . فليس مفهوم (التمام) كـ (الكمال) على سبيل المثال و إن تقارب مدلولاهما , قال الدكتور هانيبال حرب : ” التمام شيء والكمال شيء آخر ” . و ليس اسم الله (الحبيب) كـاسم الله (الودود) و إن اشتركا في بعض النقاط , بل إن أحدهما منطوي في الآخر من حيث علم ترتيب الأسماء الإلهية …. و هناك غير ذلك من الأمثلة الكثير .

و من هنا اختلف العارفون في درجاتهم و تباينت مراتبهم و تنوعت أذواقهم كلٌ بما فتح الله تعالى له من علم و معرفة , إلا أن العارف يبقى دائماً دقيق الحس دقيق الملاحظة دقيق القول .

 و خير الصلاة و أتم التسليم على إمام العارفين و سيد المرسلين حبيبنا محمد و على آله و صحبه أجمعين و الحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى