مجلة كلمة الله تعالى

(تنبيهات لنتحقق بالعبودية – بقلم : الدكتورة نور ميري – العدد (78

” عدد خاص “
تكريماً لسعادة سفيرة إتحاد البرمجة الحرفية الكونية الروحية الدكتورة نور ميري حفظها الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين

و الصلاة و السلام على خير الشاهدين و أكمل العابدين سيدنا محمد

الصادق الوعد الأمين و آله و صحبه الأخيار و التابعين أجمعين

تنبيهات لنتحقق بالعبودية

هل حدث معك في أحد الأيام (على الرغم من خلوك من الأمراض) أن خانتك ذاكرتك فجأةً عند رغبتك باستحضار معلومة ما بسيطة كنت قد اعتدت أن تتذكرها و تذكرها للآخرين ؟

هل توقفت مرةً عند رغبتك بتنفيذ مهمة ما بسبب نسيانك لإحدى التعليمات على الرغم من كونك خبير سابق فيها و كون المعلومة و المهمة غاية في البساطة ؟

هل ظننت نفسك يوماً كامل السيطرة على وضعٍ ما برمته , قادراً على استحكام جميع عوالمه و أشخاصه والتأثير فيهم كعادتك بأي طريقة شئتها ثم فوجئت مرةً بشذوذ غريب لا تبرير معروف له أو ردة فعل سلبية غير متوقعة من أحد الأفراد ؟

هل فرحت بنفسك مرة ً لنجاحك المتكرر في أحد المجالات ثم فوجئت بفشلٍ ما فيه لأتفه الأسباب ؟

إن مثل هذه المواقف و الحوادث البسيطة قد لا تعني الكثير بالنسبة للبعض 0 أما عند العارفين و السالكين إلى الله تعالى فالوضع يختلف تماماً , فهم يشهدون أن لا متصرف في الكون غير الله سبحانه و تعالى و الذي يتجلى بأسمائه و صفاته العليِّة قي كل لمحة و ثانية حتى يَعمُر هذا الكون و حتى تحيا جميع المخلوقات على الوجه الذي نراه بالعين المجردة وكذلك الذي لا نراه , فهم يتجاوزون الإيمان إلى اليقين بأن ” كل ما خلا الله باطل ” وأن لا وجود لإله غيره يتصرف كيفما يشاء , و أنهم لا يملكون شيئاً من أنفسهم بل الله وحده هو مالك الملك ينزع الملك ممَن يشاء و يُعز من يشاء و يذل من يشاء بيده الخير و هو على كل شيء قدير 0

ومِن كونهم يشهدون نور الله تعالى حتى في أنفسهم ( على اختلاف سلوكهم و مقاماتهم , ودرجاتهم و درجات شهودهم ) فهم يدركون أن مثل تلك الحالات السابقة التي ذكرناها تنطوي على تنبيهات من الله تعالى لحكمة ما يريد إيصالها إليهم كوجود مشكلة ما أو عرض روحي ما في ذواتهم و أنفسهم بحاجة إلى معالجة أو رجوع سريع إلى الله تعالى لتصحيحه 0 و تختلف نوعية ودرجة الشهود و بالتالي نوعية ردات الفعل و التصرف على اختلاف الشاهدين إلا أن أساس حقيقة الشهود والمشهود تبقى واحدة و ثابتة ( وهي شهود أحدية الله تعالى الواحد , بتجلياته المتعددة في الصور المتنوعة التي لا تحده و من غير حلول أو اتحاد ) 0 قال تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } الإخلاص1 , { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } البروج3 0

و لعلَّ من أحد هذه الحكم والرسائل المهمة لهذه الحوادث و التي يريد الله تعالى إيصالها إلينا و تعليمنا إياها هي ( أن نتحقق بعبوديتنا له بالشكل الصحيح و الأكمل , فنفهم كمال العبودية من كمال الربوبية ) , و من ذلك أن يشهد العبد أنه مهما بلغت قدراته , درجة كفاءته , ذكاؤه , خبراته أو حتى علو مقامه فعليه أن لا ينس أن أمره بكل سكناته و دقائقه هو بيد الله تعالى الجبار المقتدر خير الماكرين شديد البطش ذو الانتقام القادر على أن يسلبه تلك القدرات و المعلومات بلمح البصر و بسهولة فائقة , فلا يفرح لما بيديه و لا يأمن لنفسه التي بين جنبيه و لو قيد شعرة بل يبقى متعلقاً بالله تعالى أبداً , شاكراً لنعمه , شاهداً لفضله و قدرته تعالى وحده , خاشعاً له في كل لحظاته و متحققاً بعبوديته لربه . ( عن زياد بن المضفر , قال : سمعت الحسن , يقول : ” يا ابن آدم إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عز وجل ” ) 0

وعلى الرغم من أن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء و كل عباده لكرمه و عظمته , و نعلم بأنه شمل جميع مخلوقاته بحبه و حنانه المُطْلَقَيْن إلا أن على العبد أن يعي حقيقة أن ” الرب رب و العبد عبد ” و يتحقق بها بكمالها و بدون أي نقص أو تجاوز , فكما أنه يشهد كرم و عطاء و رحمة الله تعالى بتجليه بجماله فعليه كذلك أن يشهد منع و قوة و رهبة الله تعالى بتجليه بجلاله – مع الانتباه إلى أن ذلك لا يتنافى مع مفهوم الرحمة و الحب الشاملين من رب العباد لعبيده والذي من رحمته و حبه لعبده أن قدَّر له مثل تلك الحوادث ليوصله إلى إدراك هذه الرسائل و الحقائق حتى يتحقق بكمال عبوديته ويصبح عبداً كاملاً ( وهو من أعظم ما يناله و يتشرف به الإنسان على الإطلاق ) .

و من ذلك نفهم قوله تعالى : }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } فاطر28 , ومنهم العلماء الربانيون و العارفون الذين عرفوا حقيقة عظمة وقدرة الله تعالى المطلقة و اللامحدودة , و شهدوا و ذاقوا تجلياته الجمالية و الجلالية على الكمال , و الذين تراهم رغم علو و رفعة مقاماتهم الجليلة عند ربهم – و رغم كل ما منحهم إياه تعالى من معرفة نادرة و قدرات هائلة و متميزة – في منتهى الخضوع و الخشوع له والخوف منه في جميع أحوالهم . و بذلك كان حقاً أن يخصّهم الله بأعلى مراتب حبه كونه علم ما فيهم فأحبهم و أحبوه , و كان لهم رباً رحيماً كريماً و كانوا له عباداً كاملين مخلصين .

هدانا الله و إياكم جميعاً بإذنه و نوَّر بصرنا و بصائرنا من فضله حتى نتحقق بكمال عبوديتنا لله و نكون ممن قال تعالى فيهم : }رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } البينة8 , و الحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى