هذا ما أجاب به سماحة علَّامة الديار الشامية عندما سأله أحدهم عن معنى اسمه هانيبال حيث قال سماحته مجيباً :
أشهد أنّ لا إله إلا الله و أنّ محمداً رسول الله، و الصلاة و السلام على سيّدنا محمّد وعلى آله أهل الكِسَاء المُطَهّرِين و صحبه الأوفياء المَحْبُوبِين أجمعين، و أحبّته المُخْلِصِين رجال الله المُحْسِنِين، سبحان مَنْ ليس كَمِثْلِه شيءٌ وهو السّميع البَصِير ..
فقد استطرقْتُ باب الحَقّ بالحَقّ .. و على طريقةِ الطريقة هَجَمْتُ إلى نَفْسِي لأعْرِفَها ..
فأعْرِفَ رَبّي مَعَها ..
فوجَدْتُه سُبْحَانه و بِحَمْدِه مَعَها ..
و مَدْخَلي كانَ عنوان رَسْمِي ..
فهَذَا مِعْرَاجُ اسْمِي ..
في طُوْلِي وعَرْضِي فِي عَوَالِم حَرْفِي ..
و لمّا تَوَجَهْتُ إلى رَبّي بحقائق اسْمِي ..
وَجَدْتُ اسْمِي على أجْسَادٍ جَلِيلَة ..
مَرْتَبَتُها في عِلْمِ المَرَاتِبِ الزَايّ ..
طلبتُ بالثلاثَةِ الحَقّيّة .. الثلاثةَ الإنسانيّة .. فوجدتُ نَفْسِي ككلّ مَخْلُوقٍ .. حَادِثٌ له بدايةٌ و باطنٌ و نهايةٌ .. وعندما عدّتُ إلى الزَايّ.. عدد أجْسَادِي .. وجدتُ مركز اسْمِي يَاء .. فجلستُ على هذا الكرسيّ بعد الثَنَاء .. و ثبّتُّ القَدَمَين على النقطتَين نُقطَتَي اليَاء .. باطن اسْمِي.. حقيقة كَوْنِي .. و جاء الأمر مِنْ عَالَم الأمْر .. و اهتزّتْ نُقْطَتَا الرَحِيميّة .. مِنْ حقيقة الكُرسي .. و عَلَمَتْنِي القِسْمَة الإلهيّة .. على الثلاثة البَشَرِيّة .. فقسمْتُ ما بقي مِنْ أجساد اسْمِي على ثلاثةٍ .. فكانتْ أرواح الباب للبداية وكذلك البَاطِن و النهاية .. فنظرتُ إلى مَاهِيّة أجْسَاد البَاطِن فوجدتُها / 50 / عن يَسَار الكرسي و / 2 / عن يَمِينِه .. ولمّا كانتْ نَفْسِي تَأنَسُ لليُسْرِ والظُهُور مِنْ حَضْرَة النُّون فقدْ تركتُ عَيْن صَفَاء الخُلَاصَة إلى الخَمْسِين .. فمعرفة البَاطِن مِنَ الظَاهِر مِنْه أسْهَل .. و إنْ كانَ طَرِيقها أطْوَل .. فاستطرقْتُ حَضْرَة النُّون.. فدفعَنِي نُورها عنها .. لأرتَطِمَ بِجَارَتِها .. فإذا أنا على جِدَار الأَزَل بِعِزّة مرتمي .. و مِنْ نُقْطَة الخَمْسِين استَمِدّ مِنْ أنْوَاره .. فرجعتُ إلى الكرسي أستريح فوجدتُ الحِيرَة مَعي و وجدتُ وَجْهِي مع الجَزْمِ مِنْ أنْوَاره .. فرجعتُ إلى الكُرْسِي أستريح فوجدتُ الحِيرَة مَعي و وجدتُ وَجْهِي مع الجَزْمِ الصَغير .. فأخذتُ للدخول في جَنَبَاتِه فإذا هو مَنِيعٌ في حَلَقَاتِه .. فهو عائدٌ لِلوَاحِد فأخذتُ للدّخول .. فمَعْرِفَتِي أنّي ما تركتُ الوَاحِد و هربتُ مِنْ ظَهْرِ النّون إلّا لأستريحَ في الوَاحِد .. فنَادَتْنِي عَيْن صَفَاء الخُلَاصَة.. فهرعتُ إليها و قدْ أصابَنِي التَعَب مِنْ مَقَام نُقْطَة النّون العَالِيَة .. فقلتُ: لربّما استريحُ في مَقَام النُقْطَة الثَانِيَة .. فأستمِدُ مِنْ عطور النُقْطَة السفليّة .. و استنشقُ مِنْ نَفَحَات الرحمن الجَلِيّة .. و إذا بِي في المُجَاهَدَة الكُبْرَى .. و تحتَ ثِقَل المُنَازَلِة العُظْمَى .. فعرفتُ أنّنِي خارجٌ مِنْ خَلَاصٍ إلى خَلَاصٍ خُلَاصتُه أنْ لا خَلَاصٍ .. فتبسّمَتْ حَضْرَة البَاء .. فتكشّفَتْ لي بسم الله الرحمن الرحيم .. تعجّبْتُ: ما هذا؟! ..
قالت حَضْرَة البَاء: صَفَاء الخُلَاصَة .. و هم مِنَ الخَوَاص و أنتَ على نُقْطَة العَيْن مِنْهم ولا مَنَاص .. و أجْسَاد اسْمِك كلّها مِنْ هذه الخَوَاص .. هانيبال .. فعرفْتُ مَقَامِي في الخَاصّة .. نادتْنِي النُقْطَة .. بلْ أنتَ مِنْ خاصّة الخَاصّة و بَاطِنك مَرْتَبَة الخُلَاصَة .. فسألْتُها: أينَ دَليلك ..
قالتْ: تشهدُ لي النّون واليَاء على هَيئَتِهِما مِنْكَ .. قلتُ: و نِعْمَ الشّهِيد الله ..
قالتْ: أحسنْتَ إذا رددتَ الشّهادة للشَهيد فهذا مَقَامُ وِلَايَةٍ و خَلْقٍ مجيدٍ ..
قلتُ: و مِنْ أينَ لِي هذا ..
قالتْ: مِنْ نُقْطَة الخَمْسِين .. فتعجّبَتْ أُخْرَى كيفَ عرفَتْ و بينهما الكُرسي ..
قالتْ: لا تَعْجَبْ .. فالأعلمُ بِالخَلْقِ هو الحَقّ و أعلمُ الخَلْقِ بِالخَلْقِ هم الجِيرَان ..
قلتُ :ما تَجِدِينَ مِنْ جَارَتِك ..
قالتْ: نِعْمَ الجِيْرَة .. فَنُقْطَتُها بابُ الرّحْمَة المَفْتُوح لك ..
قلتُ: ما أستَمِدّ مِنْه ؟..
قالتْ: خُلْقٌ حَسَنٌ، و حالٌ أحْسَن، و كرامة الإحْسَان ..
قلتُ: ألهذه الدَرَجَة ؟..
قالتْ: بلْ أكثر مِنْ ذلك .. فأنا نَائِبَة الحَقّ في الخَلْق .. فانظرْ مَنْ أنَا ..
قلتُ: و مَنْ تكونِينَ؟ ..
قالتْ: فاتحةُ بسم الله الرحمن الرحيم .. و فاتحةُ كلّ سُوْرَةٍ في القرآن الكريم.
قلتُ: سُوْرَة التَوْبَة بِلا بسم الله الرحمن الرحيم ..
قالتْ: هي بَاء مَقَامِ الإمام و الخَلِيفة .. أنَا بَاطِنُك و يَمينُ كُرْسِيّك .. فارتعشتْ جوانِحِي مِنْ هذا الأمر .. و خشيتُ على نَفْسِي التّلبِيس في هذا القَدَر ..
صاحتْ بِي: لا تجزعْ فإنّه مَمْنُوعٌ عليكم .. فلا خوفٌ عليهم و لا هم يَحزَنُون .. فسكنتْ جَوَارِحِي .. و نادتْنِي عَيْنُ صَفَاء الخُلَاصَة بأنوارٍ قُدْسِيّة عمَّت أركانَ هَيْكَلي ..
قالتْ: مِنْ أينَ جِئْت؟ ..
قلتُ: كنتُ عند النّون .. ذاكَ المَقَام الجِبْرَائِيلي .. فأصابَنِي عِرْقُ الحِيرَة مِنْ ألِف العِزّة و تعرفينَ ما في ألِف العِزّة مِنَ العِزّة! فهرعتُ إلى الكُرسي فظهرَ لي بِجَزْمِه الصغير.
قالتْ: الكرسي يَاء اسْمِك و جَزْمه أَلِفُكَ ..
قلتُ: فكأنّي عدتُ إلى الوَاحِد .. فارتميتُ على حُضْنِكَ لأستَرِيح .. فإذا بِي أجدُ ما أجدُ.
قالتْ: بلْ جئتَ مِنْ عِنْد الله و ستعودُ إلى الله تعالى، و ستبقى بين بُحُور الوَحدانيّة تُسَبّح
قلتُ: كيفَ؟
قالتْ: ستشهدْ بِنَفْسِكَ ..
رمتْنِي إلى الجسد الذي يليها فإذا بي أمامَ الوَاحِد .. و عرفتُ في ذاك المَوقِف ما عرفتً مِنْ تجليات الوَاحِد .. فأوّل البَاطِن مِنّي وَاحِد و آخرُ البَاطِن مِنّي وَاحِد .. و أوّل البداية وَاحِد.. و أوّل النهاية وَاحِد.. عرفتُ أنّي في بُحُور الوَحدانيّة .. أُسبّحُ نحو الأحديّة .. فسبَّحْتُ الله الرَبّ العَليّ القدير بِحَمْدِه .. و خَشِع صوتي للرحمن يقول:
سُبْحَان مَنْ أقامَنِي في بُحُور الوَحدانيّــــة.. سُبْحَان مَنْ حَجَبَنِي عن الخَلْقِ بالمَوَاهِب اللّدُنِيّة .. سُبْحَان مَنْ جَعَل الفَنّ حِجَابِي على الخَلْق .. لأهربَ مِنَ الخَلْقِ إلى الحَقّ فأكونَ معه في الجَمْعِ و الفَرْق .. أعطانِي مِنْ اسمه البَديع .. فحَجَبَنِي به عن الجميع .. لأبقى مع الوَاحِد الأحَد سُبْحَان الفَرْد الصَمَد .. هنا انتهيتُ مِنْ تَجَلّي ما تَجَلّى لي مِنْ عِلْم البَاطِن و وقفتُ عند / انابا / من اسمي و هذه خمسةٌ .. فإذا وقفتُ في مَقَام النّون كنتُ بين أَلِفَين و إذا وقفتُ في مَقَام البَاء كنتُ بين أَلِفَين و الألِفُ هنا مكررٌ ثلاثٌ .. و رَسْمُها في عَالِم الخَلْق / 111 / وهي الرمز الشرقي .. حقيقة بَاطِنِي .. أرواح الاسم الكَافِي .. و أرواح الاسم الحَسِيب عند العَارِفِين مِنْ أهل الأنْوَار و هو سرّ الاسم الأعظم الذَاتيّ …..
فعرفتُ أنّ الله تعالى مَيّل بَاطِنِي إلى الشرقيّ .. فكان اعتدالُ المِيزَان .. مِنَ العَدْل الرحمن أنْ مَيَّلَ “بتشديد اليَاء” ظَاهِرِي إلى الغَرْبِيّ .. فجمعْتُ المَوَاطِن .. فِي .. حَرْفٍ .. وعرفتُ سرّ البَاطِن مِنَ الظَاهِر، و سرّ الظَاهِر مِنَ البَاطِن، و عرفْتُ أنّي مع الله و في الله و بالله وعلى حُبّ الله .. فبرقْتُ في حَدَقَة العَيْن لمْعَةً برقيّةً .. إشارةً إلى الخَمْسِيّة .. فعرفتُ أنّي في بَحْر الخَمْسَة وقعتُ و ما انتهيتُ بعد، وإذا بالأجْسَاد الخَمْسَة السابقة تدفعُنِي إلى ابتداء عُنْوَانِي .. فوقفْتُ في حَضْرة الخَمْسَة مُطْمَئِنّاً لِعِلْمِي أنّ الهَاء أضعفُ الأنْفَاس .. فإذا بها غَيْب النّاس و تعجبْتُ عَجَبَاً عُجَاب .. كيف أكونُ في حَضْرَة الغَيْب و الحَضْرَة حضورٌ و الغَيْبُ غيابٌ .. نادانِي الصوت مِنَ الثقب الأسود .. فسمعْتُه مِنْ غير سَمَعٍ ..
قالَ: غيبٌ لكَ على غيرك .. لا غيبٌ عليك .. فأنا مَطلَعُ اسْمِك و خلاصةُ ذِكْرِكَ ..
قلتُ: كيف هذا ..؟
قالَ: ما بَعْدي مِنَ الأجْسَاد ..
قلتُ: الألِف ..
قالَ: هذا ارتباطي بها ..
و نقلي إلى حَضْرَة اسمه البَاطِن .. فتكشّفَتْ لي حقيقة رَسْمِي عَيْن المَشهَد الجَبَرُوتِي في المِعْرَاج النَفْسِيّ و لكن بتجلٍ آخرٍ .. و إذا بِبِدَاية اسمي تنطقُ: ب ها ها ها … فسُرِرْتُ لِهَذا الذِكْر فهو ذِكْرُ التَجَلّي .. لأهل التَحَلّي بعد التَخَلّي، و عرفتُ سرّ الصوت فهو مِنَ أنْوَار التَجَلّي .. فحمدْتُ الله تعالى، و فوضْتُ الأمر إليه لا حولَ و لا قوّة إلا بالله العَلِيّ العَظِيم .. و عدْتُ إلى حيرة العِشْق .. و تكشفَتْ لي حقيقة مَاسيَّة و هي أنْ لا أتْرُكَ طلبه به فأشْقَى .. و أستمر في طلبه حتى أرْقَى .. فألقَاه فأبْقَى ..
نادانِي عَالَم الغَيْب فانتبهتُ
قال: هل أعجبَكَ مَقَام النُّون الذي كُنْتَ فيه ..
قلتُ: أرضى مِنَ الله تعالى فيما يُقِيمُنِي فيه ..
قال: أنا فَلَكُه و هو مِنْ جَزْمِي ..
نظرتُ الاسْمَ فوجدتُهُ: هاءٌ و ألِفٌ, فهاءُ / هـ ا هـ / فعرفْتُ لِمَ قالَ لي إنّما أنَا غَيْبٌ على غيرِكَ لا عليكَ .. فدعَانِي إلى حَضْرَة الثّاء .. استغربْتُ الأمر .. فذكّرَنِي أنّ الثَاء مِنْ جَزْمِه .. طلبْتُ سبب التّجَلّي مِنْ هذه الحَضْرَة ..
قال: أنا فَلَكُه كمَا كنْتُ فَلَكَ النّون ..
قلتُ: قدْ شهدْتُ فيمَا سَبَق .. و أعلمَنِي الحَقّ .. أنّ الثَاء عنوان انتهاءٍ .. و قدْ أشهدَنِي الله تعالى خُلاصَاتِه في أسمائِه في أسرار اسميه الوَارِث و البَاعِث .. فكان الثَاء .. النهضة بعد الانتهاء .. و لا وَارِث إلّا بعدَ فَنَاء المَورُوث .. و لله مِيْرَاث السَموات و الأرض و لا بَاعِث إلا بَعدَ فَنَاء المَبْعُوث ..
قال: هذا هو مَقَامِي مِنْك .. أنا بدايتُكَ و نهايتُكَ و خُلَاصَتُكَ و تفصيلُكَ .. أنا سِرّكَ و خَاصِيّتُكَ.
قلتُ: كيفَ ذلك .. و قدْ كاشَفَنِي منذ قليلٍ عَيْن صَفَاء الخُلَاصة بِالنِيَابَة ..
قال: و لمَ التّعَجّبُ و الغَرَابَة ..
قلتُ: النِيَابَة مَقامٌ يَطْلُبُ قوّة القَوّي .. و أنتَ أضعفُ جسدٍ في أجسادِ بَنِي جِنْسِكَ .. تبسّم و ألقى إليّ نُورَاً .. مِنْ نُون إجماله فوراً .. مُذَكِّراً لا وَاعِظَاً .. فتذكّرْتُ أنّه يضعُ سرّه في أضْعَفِ خَلْقِه.
قال: ضَعْفِي هو فَقْرُك .. فاجعلْ فَقْرَك لله وَحْدَه .. تَنَلْ .. فأنَا مِنْكَ مَمْلَكَتُكَ .. أنا مِنْكَ مَمْلَكَتُكَ.. فأنا مِنْكَ مَمْلَكَتُكَ.. و أنتَ خَلْقٌ و الله الخَالِقُ الحَقّ .. أنتَ مَلِكٌ و الله مَلِكُ المَلَكوت و المُلْك ..
قلتُ: كيفَ أكونُ و أنا إلى ما عند الله فقيرٌ ..
قال: تكونُ مَلِكَاً في المَلَكُوت و عَبْدَاً في الشَهَادة فتكونَ المَلِكُ العَبْدُ، فتَتَصَارَع مَلَكِيّتُكَ مع عُبُودِيّتِكَ فتبْقَى في إشاراتِ قوله تعالى: ألا تَطْغَوا في المِيزَان .. و أقيموا الوَزْنَ بِالقِسْطِ و لا تُخْسِروا المِيزَان .. فأنْتَ في عَالَم الشَهَادَة عبدٌ له .. و هذا سرّ مُلْكِكَ في الدّنيا .. و في المَلَكُوت .. مَلِكٌ عنده له .. و هذا سرّ عُبُودِيّتِك في المَلَكُوت ..
قلتُ: و أينَ دليلُكَ ..؟
قال: أَتَشُكّ ..
قلتُ: مَعَاذَ الله و لكن لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي ..
فأخذتُ الخَمْسَة مِنْ عنوان رَسْمِي الثلاثين التي في نهايته، و طرحتُهَا في بِحَار الغَيْبِ و سألتُ: ما بقيَ مِنْ رَسْمِك ..؟
قلتُ: ألِفْ و نُون و يَاء و بَاء و ألِف / انيبا / هذا ما بَقِيَ مِنْ هانيبال ..
قالتْ: هلْ لاحظتَ بقاءَكَ بين ألِفَيْنِ ..
قلتُ: نَعَم ما دُمْتُ في بَحْرِ التّوحِيدِ ..
فأخذتُ الألِفَ الأخيرة ..
قالتْ: أنا الهَاء, و قد أخذتُ قَبْلَاً اللام فوضعْتُهَا قَبْلِي فكنْتُ في صُورَة أجْسَادِي / لـه / سُبْحَانَه له ما في السماوات و الأرض و ما بينهما و إلى الله تُرْجَعُ الأمور .. و قدْ أخذتُ للتّو الألِف فوَضعتُهَا في مَحَلّها قَبْلَ لامِهَا فكانَ الاسم / الـه / فاضطربَتْ لَطِيفَتِي ..
قالتِ الخمسة: اهدأ بسم الله الرحمن الرحيم المُؤْمِن .. ألمْ يَدُلّكَ رَبّكَ على هذا الذِكْر ..؟
قلتُ: بَلَى .. في رؤيا سابقة حيث نادانِي زوجُ طيرٍ أبيضٍ أنْ قُلْ: الله .. و أعلَمَنِي أنّه مُفْتَاح رِزْقِي ..
قالتْ: هذا ذِكْرُكَ ذِكْرُ الأكَابِر..
قلتُ: و ما الطير ..؟
قالتْ: أُولي أجنحةٍ مَثْنَى .. و احذرْ و تنبّهْ .. فلا تطلبْ ما هو مَضمونٌ لكَ و لا تُهملْ ما لا يكونَ لكَ إلا بالطلبِ ..
قلتُ: توكّلْنَا على الحَيّ الذي لا يَمُوتْ ..
قالتِ الخمسة: قد احتفظْتُ بما احتفظْتُ فَمَا بَقِيَ مِنْ رَسْمِ عنوانك؟ ..
قلتُ: ألفٌ نونٌ ياءٌ باءٌ ..
قالتْ: اقْرَأ ..
فقرأْتُهَا: / انيب /
قالتْ: الإنَابَة جُمْلَةُ بَاطِنِكَ فعُدْ إلى الله بِالله .. فَنِعْمَ البَاطِنُ بَاطِنُكَ ..
فاقشعرّ جِلْدِي و دمعَتْ عَيْنِي – ذاكَ المَاءُ الجَبَرُوتِيّ – فقدْ شهدْتُ مَقَامِي في رَسْمِي .. و أكدَتْهُ أرواح جَسَدِي .. و اتضحَ الأنموذج .. و نِعْمَ الأنموذج هو .. عرفْتُ أنّي مِنْهُ و إليه و أنّي مِنْ مَقَام إيّاك نعبدُ و إياكَ نَستعِين بِالكُلْيّة .. فالتزمْتُ .. فأخذْتُ الخمسة ,الألِف البَاقِيَة مِنْ / انيب / فصرخْتُ نُون الوِقَايَة .. مِنْ عَظَمَةِ أنْوَار التَجَلّي كُشُوفُ هَذا البَاطِن..
ناديتُ: أنْ تبدّلَتِ الأرض غيرَ الأرض .. و ذهبَ الوَتَدُ و انقلبَتْ الدّنيا .. و أشرقَتِ الشمس مِنَ المَغْرِب ..
قالتِ الخمسة: هذا في حَقّكَ .. فاقرأ ما أشرقَتْ عليه شمسُ مَغْرِبَك مِنْ مَغْرِبِكَ .. فقرأْتُ .. / بين / .
قالتْ: هذا سرّك مع الله تعالى .. فإذا دخلْتَ خَلْوَتَكَ .. و نهضَتْ الطَاء عَيْن الزَاي لِعَونِك على دخول حَضْرَة القُدْس فيأخذَ الجَزْمَ الصغير بالإعداد للتَجَلّي الإلهي .. مَقَامُ بَسْطِ الروح لأنْوَار التَجَلّي .. فتنقلِبُ اليَاء ألِفْ و ترتفعُ الحُجُبُ فإذا بعنوان اسمك صار / بان / و عليك من الله الأمَان .. أمان الأولياء الأصفياء .. و لا أدري كمْ بقيتَ في ذَاكَ المَقَام حي اللا مَقَام .. و مكان و زمان اللا مكان واللا زمان .. وعُدْتُ مِنْ شُهُودِي .. و وعَيْتُ شُهُودِي .. في وعي وُجُودِي .. حقائقُ اذْكُرُونِي أذْكُرُكُم .. عاد الجَزْمُ الصغير مِنْ / بان / إلى ما عليه كان .. / بين / و ذابَتْ نُونُ الوِقَايَة مِنْه تحت سَطْوَة أنْوَار الجَمَال و الجَلال .. فبَطُلَ عَمَلها و سُحِقَ رَسْمُها .. فبَقِيَ مِنْ اسمي / الباء و الياء – بي – / وفي عين / بي / كانت الحقيقة ..!
عادتِ الخمسة تُعِينُنِي على النُهُوض مِنْ نَشْوَتِي .. فأخذَتْ تُنْعِشُ بِي الأرواح الخمسة فانتعشَ مِنّي الحَيَوانِيّ و الخَيَالِيّ .. و انتفضَ الفِكْرِيّ و العَقْلِيّ .. و أشرقَ مِنّي السَاجِد القُدْسِيّ .. و قدْ شهدْتُ قَوْل رسول الله تعالى صلّى الله عليه و آله و سلّم: كان الله و لا شيءَ معه .. و شهدْتُ أنّه في هذا الآن على ما عليه كان .. و شهدْتُ لَطَائِفَ كلّ مَنْ عليها فانٍ .. و يبقى وَجْه رَبّك ذُو الجَلال والإكرَام .. و شهدْتُ حقائق كلّ شيءٍ هَالِك إلّا وجهه سُبْحَانَه و بِحَمْدِه .
و ما هذا المِعْرَاج الحَرْفِي إلا فَيْضٌ مِنْ بَرَكَات الفَيْضِ .. تمّ بِهِ بِعَوْنِه تعالى المَقْصُود مِنَ التّعريف مِنْ خِلَال مِعْرَاجٍ خاصٍ بَثَثْتُهُ في ثَنَايا هذه الورقات عسى أنْ يَتَفَقّه جَوَانبه مَنْ أرادَ الله له هذا فيَسْتَخْرِج كُنُوز رَبّه مِنْ عنوان رسمه , و الحَمْدُ لله هناكَ دائماً المَزِيد للطَالِبْ المُرِيد فهذا مِعْرَاجٌ مَفْتُوحٌ لا تَنْتَهِي فيه الفُتُوح , فيا وَلِيّي في الله تعالى حِجَاب اسْمِك مركبٌ مِنْ مَرَاكِب وَصْلِكَ بِرَبّكَ، و كثيرةُ هي الأسرار، فمِنْ أسرار اسْمِي في حَضْرَة عَالَم المَرَاتِبْ على سبيل المِثَال أنّ أجْسَاد الاسم / هانيبال / سبعةٌ تَحْصَر مِنْ الأنْوَار في عَالَم الخَلْقِ شَطْرَ عَالَم الكرسي عددَ الأسماء الحُسْنَى الإلهيّة، و قدْ أخذْتُ مِنْ كلّ اسمٍ نَصِيبٍ الوَاحِدِ الكَامِلِ فتَمّتْ أرْوَاحِي / 99 /.
هذا ما قَدّرَه الله تعالى في وَارِد هذا الوقت في هذا المُؤَلَّف المَوْسُوم بِمِعْرَاج الحَرْفِ الاسْمِي.
تمّ بِعَونِه تَعَالى و هو يقولُ الحَقّ و هو يَهْدِي السبيل و الحمدُ لله ربّ العَالَمِين
و صلّى الله على نبيّنا محمّد و آلِهِ و صحبِهِ الأخْيِار و سَلّم
بقلم : الهَانِي بِالله هَانِيبَال يُوسُف حَرْب