دَرَسَ سماحته العقيدة مُأَصَّلة على يد الشيخ الدكتور عبد الله رابح رحمه الله تعالى، حيث أكرمَهُ الله تعالى على يد هذا العَالِم بدراسةٍ خاصّةٍ مُفردة بعد صلاة الفجر في الجامع الأموي في دمشق في آخر الثمانينيات، بالإضافة إلى الفقه والحديث الشّريف، ليُلملِم بذلك كثرة المعلومات التي يتلقّاها سَماحتُه منذ صِغرِه و يُنظِّمها لَهُ بدراسةٍ مَنهَجيةٍ مُعَمَقَةٍ.
وهذا ما رواه سَمَاحَة علَّامة الدّيار الإسلاميّة المُفَكِّر الإسلامي الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى في ذكر بيان اعتقاد أهل السُنَّة و الجَمَاعَة على مذهب فقهاء المِلّة: أبي حنيفة النُعْمَان بن ثابت الكُوفيّ, و أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري, وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني, وأبي جعفر الطّحاوي, وما كان عليه أشياخه من اليقين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين, و ما يعتقدون من أصول الدين, ويَدِينُون به لربّ العَالَمِين .. وكما يُدَرِسُه لطلابه في فضاء الشرع الأنور وبسَنَدِه المُتّصِل المعروف بسِلْسِلَة الذَهَب : نقول في توحيد الله عزّ و جلّ معتقدين بتوفيق الله تعالى : إنّ الله تعالى واحدٌ لا شريك له، و لا شيء مثله، ولا شيء يُعْجِزُه، ولا إله غيره، قديمٌ بلا إبتداءٍ، دائمٌ بلا انتهاءٍ، لا يَفنى و لا يَبِيد؛ بل يُفنِي ويُبقي و يُبِيد مَنْ شاءُ مِنَ العبيد و لا يكون إلا ما يريد، لا تَبْلُغُه الأوهام، و لا تُدْرِكُه الأفْهَام، و لا تُشْبِهُهُ الأنَام، حيٌ لا يموت، قيومٌ لا ينام، خالقٌ بلا حَاجَةٍ، رَازِقٌ لهم بلا مؤنةٍ، مُمِيتٌ بلا مَخافةٍ.
باعثٌ بلا مَشَقّةٍ، ما زال بصِفَاتِه قديماً قبل خَلْقه لم يزددْ بكونهم شيئاً، لم يكنْ قَبْلَهم من صفاته و كما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً، ليس منذ خَلَقَ الخَلْق استفاد اسم الخَالِق، و ليس بإحداثه البَرِيَّة استفاد اسم البَارِئ، له معنى الرُبُوبِيَّة و لا مَرْبُوب؛ ومعنى الخَالِقِيّة و لا مَخْلُوق، وكما أنّه مُحْيي المَوتى بعد إحياهم استحق هذا الاسم قبل إحيائهم كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم ذلك بأنّه على كلّ شيءٍ قديرٍ و كلّ شيءٍ إليه فقيرٌ وكلّ أمرٍ عليه يسيرٌ.
لا يحتاج إلى شيءٍ ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)) خَلَقَ الخَلْقَ بعِلْمِه، و قدّر لهم أقداراً، و ضرب لهم آجَالاً، لم يَخْفَ عليه شيءٌ مِنْ أفعالهم قبل أنْ خَلَقَهم؛ وعلى ما هم عَامِلُون قبل أنْ يخْلُقَهُم.
وأمَرَهُم بِطاعَتِه و نَهَاهُم عن مَعْصِيَته، و كلّ شيءٍ يجري بِقُدْرَتِه و مَشِيئته، و مَشيئتُه تَنْفُذْ و لا مَشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاءَ لهم كان؛ وما لمْ يشأ لم يكنْ.
يهدي مَنْ يَشاء و يَعصُم و يُعافي مَنْ يَشاء فضلاً، و يُضِلّ مَنْ يَشاء، و يَخْذُل و يَبْتَلي عدلاً.
و هو مُتعَالٍ عَنِ الأضْداد والأنْداد، لا رادَّ لقضائه، و لا مُعَقِّبَ لحُكْمِه، و لا غَالِبَ لأمْرِهِ.
آمنّا بذلك كُلّه وأيْقَنّا أنّ كُلّاً مِنْ عِنْدِه، و أنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله و سلّم ) عَبْدُه المُصطَفى و نَبِيّه المُجتَبي و رسوله المُرْتَضَى، خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء و سيّد المُرسَلِين وحبيب ربّ العَالَمِين، و كلّ دعوةِ نبوةٍ بعد نُبُوّتِه فَغْيٌ و هوى، و هو المَبْعُوث إلى عامّة الجِنّ و كافّة الوَرَى المَبْعُوث للحقّ و الهُدى.
وإنّ القرآن كلامُ الله تعالى بدأ بلا كيفيّة قولاً، و أنْزَلَه على نبيّه وَحْيَاً، و صدّقه المؤمنون على ذلك حقّاً، وأيقنوا أنّه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوقٍ ككلام البَرِيّة، فمن سَمِعَه فزعم أنّه كلام البَشَر فقد كَفَر، و قد ذَمّه الله تعالى وعَابَه و أوْعَد عذابه قال ((سَأُصْلِيهِ سَقَرَ)) فقد أوْعَد الله تعالى سَقَر لمَنْ قال ((إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)) ، عَلِمْنَا أنّه قوله خَالِق البَشَر و لا يُشبِه قَوْلَ البَشَر.
و مِنْ وَصَفَ الله تعالى بِمَا لمْ يصفْ به نَفْسه ( كوصفه تعالى بأنّ له فرجٌ أو لِحْيَةٌ ) فقد كفرْ، فمَنْ أبْصَر هذا اعتبرْ، و عن مثل قول الكُفّار انزجرْ، وعَلِمَ أنّ الله تعالى بصِفَاتِه ليسَ كالبَشَر.
والرؤية حقُّ لأهل الجَنّة بِغَير إحاطةٍ و لا كيفيّةٍ كما نطق به كتاب رَبنّا ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) و تفسيره على ما أراده الله تعالى و علّمه، و كلّ ما جاء في ذلك مِنَ الحديث الصّحيح عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) و عن أصحابه رُضوان الله عليهم أجمعين فهو كما قال، و معناه و تفسيره على ما أراد لا ندخل في ذلك مُتَأوّلين بآرائنا ولا مُتَوهّمِين بأهوائنا، فإنّه ما سَلِمَ في دينه إلا مَنْ سَلّم لله تعالى و لرسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، ورَدَّ ما اشتبهَ عليه إلى عِلْمِه.
و لا يثبتُ قدم الإسلام إلا على ظهر التّسليم والاستلام، فمن رَام علم ما حظر عليه و لم يقنعْ بالتّسليم فَهْمه؛ حَجَبَهُ مُرَامه عن خالِص التّوحيد و صافي المعرفة و صحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكُفْرِ و الإيمان؛ و التكذيب والإقرار؛ والإنكار موسوساً تائهاً زائغاً شاكّاً لا مؤمناً مُصَدّقاً بلْ جاحداً مُكَذِباً.
و يصحّ رؤية الحَقّ تعالى لقوله عن رؤيته تعالى أنّه يُـرَى و يُـنظَر إليه فيُـشاهَد ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) لأهل دار السّلام لا لِمَنْ اعتبرها منهم بوهمٍ أو تأوّلها بفهم، و لحديث حبيبي النّبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم (سترون ربّكم كما ترون البَدْر في كَبِدِ السّماء )، وأنّ قوله لموسى صلّى الله عليه وسلّم (لنْ تراني) خصيصةٌ لموسى -فلنْ لا تفيدُ التأبيد عندنا- وأنّ الله تعالى قال له (لنْ تراني) أي (لن تراني أنت)، و لم يَقُلْ (لا أُرَى) أو (لا أُشَاهَدُ) أو (لن يراني أحدٌ) !
و مَنْ لمْ يتَوَقّ النّفي والتّشبيه زلّ و لمْ يُصِبْ التّنزيه، فاعتقادنا بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ الوَسَط بين التّشبيه و التّنزيه؛ بين التّجسيم و التّعطيل، فإنّ ربّنا جلّ وعلا موصوفٌ بصفاتِ الوَحْدَانيّة، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الفَرْدَانيّة، ليس بمعناه أحدٌ مِنَ البَرِيّة، تعالى الله عن الحدود والغايات والأركان والأدوات، لا تحويه الجِهَات السِتُّ كسائر المُبْتَدَعَات.
و المعراج حقٌّ، و قد أُسْرِيَ بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم، و عُرِجَ بشَخْصِه في اليقظة إلى السّماء، ثمّ إلى حيث شاءَ الله تعالى مِنَ العلا، و أكرمه الله تعالى بِمَا شاء فأوحى إلى عبده ما أوحى.
و الحوضُ الذي أكرمه الله تعالى به غياثاً لأمّته حَقٌّ، وهو الشفاعة التي إدخرها الله لأمّته كما روي في الأخبار.
و الميثاق الذي أخذه الله تعالى مِنْ آدم عليه السلام وذريته حقٌّ.
و قد عَلِمَ الله تعالى فيما لم يَزَلْ عددُ مَنْ يَدْخُل الجَنَّة و يَدْخُل النّار جُمْلَةً واحدةً، لا يُزَاد في ذلك العدد و لا يَنْقُص منه، وكذلك أفعالهم فيما عَلِمَ مِنْهُم أنّهم يفعلونه، و كلّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.
و الأعمال بالخَوَاتِيم، والسعيد مَنْ سَعِدَ بِقَضَاء الله تعالى، والشَقِيّ مَنْ شَقِيَ بِقَضَاء الله تعالى.
و أصْلُ سِرّ القَدَر سِرّ الله في خَلْقِه، لمْ يطّلع على ذلك مَلَكٌ مُقَرّبٌ ولا نبيّ مُرْسَلٌ، و التعمّق و النظر في ذلك ذريعةُ الخُذْلان؛ و سُلّمُ الحِرْمَان؛ و درجة الطُغْيَان؛ فالحذر كلّ الحذر مِنْ ذلك نَظَراً أو فِكْرَاً أو وَسْوَسَةً، فإنّ الله تعالى طوى عِلْمَ القَدَر عن أنَامِه، و نَهَاهُم عن وَرَامِه كما قال في كتابه: ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) فمن سأل: لم فعل؟ فقد ردّ حُكْمَ كتاب الله، و مَنْ ردّ حُكْمَ كتاب الله تعالى كان مِنَ الكافرين، فهذا جملةُ ما يحتاج إليه مَنْ هو مُنَوّرٌ قلبه مِنْ أولياء الله تعالى، وهي درجة الرَاسِخِين في العِلْمِ، لأنّ العِلْمَ علمان: عِلْمٌ في الخَلْقِ مَوجود؛ و عِلْمٌ في الخَلْقِ مَفقود، فإنكار العِلْمِ المَوجود كفرٌ، وادعاء العِلْمِ المَفقود كفرٌ، ولا يصحّ الإيمان إلا بقبول العِلْمِ المَوجود؛ وترك طلب العِلْمِ المَفقود مع الإيمان واليقين أنّه يعطي فرداً مِنْ أفراد المسلمين عِلْمَاً ربّما لا يكون عند أحدٍ مِنَ الأمّة خصيصة لهذا المسلم وبذا الكلّ يُسَلِّم.
و نؤمن باللوح و القلم بجميع ما فيه قد رُقِمْ، وأنّه كائنٌ ما لمْ يمحوه الله تعالى، فهو يَمحو ما يَشاء و يُثبِت و عنده أمّ الكتاب.
و ما أخطأ العبد لم يكن لِيُصِيبَه، و ما أصَابَه لم يكنْ لِيُخْطِئَه، وعلى العبد أنْ يَعْلَم أنّ الله قد سَبَق عِلْمَه في كلّ شيءٍ كائنٍ مِنْ خَلْقِه، و قدّر ذلك بِمَشِيئته تقديراً مُحْكَماً مُبْرَماً ليس فيه ناقص مِنْ خَلْقِه؛ و لا مُعَقِب؛ و لا مُزِيل؛ و لا مُغَيّر؛ و لا مُحَوِّل؛ و لا زَائِد؛ و لا نَاقِص مِنْ خَلْقِه في سماواته و أرضه، و ذلك مِنْ عُقَدِ الإيمان و أصول المعرفة والاعتراف بتوحيد الله وربوبيّته كما قال تعالى في كتابه العزيز: ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)) ، وقال تعالى: ((وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا)).
فويلٌ لِمَنْ صار له الله في القَدَر خَصِيماً، وأحضر للنَظَرِ فيه قلباً سَقِيماً، لقد التمس بوهمه في مَحْضِ الغيب سرّاً كتيماً وعاد بِمَا قال فيه أفّاكاً أثيماً.
و العرش و الكرسي حَقّ، وهو عزَّ و جلّ مستغنٍ عن العرش و ما دونه، محيطٌ بكلّ شيءٍ و بما فوقه؛ و قد أعْجَزَ عن الإحاطة خَلْقَه، و نقول إنّ الله اتخذ إبراهيم خليلاً و كلّم موسى تكليماً إيماناً وتصديقاً وتسليماً.
و نؤمن بالملائكة والنبيّين و الكتب المُنْزَلَة على المُرسلين، و نشهد أنّهم كانوا على الحقّ المُبِين، و نسمّي أهل قِبْلَتِنَا مُسلمِين مُؤمنِين ما داموا بما جاء به النّبي صلّى الله عليه وسلّم، معترفين وله بكلّ ما قال وأخْبَر مُصدّقِين غير مُكَذّبِين.
و لا نَخُوض في الله؛ و لا نُمَاري في دين الله تعالى؛ ولا نُجَادِل في القرآن، و نعلم أنّه كلام ربّ العَالَمِين نزل به الرّوح الأمين فعَلّمَهُ سيّد المُرسلِين محمّداً صلّى الله عليه وسلّم، و كلام الله تعالى لا يُساوِيه شيءٌ مِنْ كلام المَخْلُوقِين.
و لا نقول بِخَلْقِ القرآن؛ بلْ القرآن الكريم قديمٌ غير حَادِثٍ.
و لا نقول لا يضرّ مع الإسلام ذَنْبٌ لِمَنْ عمله، ونرجوا للمؤمنين أنّ يُصبِحوا مُحْسِنين في مقام الإحسان قائمين، و لا نَأْمَنْ عليهم و لا نَشْهَد لهم بالجَنّة إلا لِمَنْ شَهِدَ له الحقّ بذلك، و نستغفرُ لِمُسِيئهم، و نحزن عليهم، و لا نقنطهم، و الأمن و اليأس يَنْقُلَان عن المِلّة، و سبيل الحقّ بينهما لأهل القِبْلَة، و لا يخرج العبد مِنَ الإيمان إلا بجحودِ ما أَدْخَلَه فيه.
و أنّ الإيمان هو الإقرار باللسان و التّصديق بالجِنَان، و أنّ جميع ما أنْزَل الله في القرآن؛ وجميع ما صحّ عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم مَنَ الشَرْعِ والبَيَان كلّه حقّ، و الإيمان واحدٌ، وأهله في أصله سواءٌ، و التّفاضل بينهم بالتّقوى ومخالفة الهوى.
و المؤمنون كلّهم أولياءُ الرحمن، و أكرمَهُم أطْوَعَهُم و أتبَعَهُم للقرآن، و أرك
ان الإيمان هي : الإيمان بالله؛ و ملائكته؛ و كتبه؛ و رسله؛ و اليوم الآخر؛ و البَعْث بعد الموت؛ و القَدَر خَيره و شَرّه وحُلْوه و مُرّه مِنَ الله تعالى، و نحن مُؤمنون بذلك كلّه و لا نفرّق بين أحدٍ مِنْ رسله، و نصدّقهم كلّهم على ما جاؤوا به.
و أهل الكبائر مِنْ أمّة محمّد صلّى الله عليه و سلّم في النّار لا يخلدون إذا ماتوا و هم مُوَحّدُون، وإنْ لم يكونوا تائبين بعد أنْ لَقَوا الله مُؤمنين وهم في مشيئته و حكمه إنْ شاء غَفَرَ لهم وعَفَا عنهم بفضله، كما قال تعالى في كتابه العزيز: (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ))، وإنْ شاء عذّبهم في النّار بقَدْر جِنَايَتِهم بِعَدْلِه، ثمّ يُخرِجهم مِنْها بِرَحْمَتِه وشَفَاعَةِ الشّافعين مِنْ أهل طَاعَتِه، ثمّ يبعثهم إلى جَنّته و ذلك بأنّ الله مَوْلَى أهل مَعْرِفَته، و لم يجعلهم في الدّارَين كأهل نكرته الذين خابوا مِنْ هِدَايَته ولمْ ينالوا مِنْ وِلَايَتِه … اللّهم يا وَلِيَّ الإسلام و أهله مَكِنَّـا و مَكِّن لنا بالإسلام حتى نَلْقَاك به؛ و نرى الصلاة خلف كلّ برّ و فاجر من أهل القِبْلَة ( و لا نراها وراء زائغ العقيدة )، و نُصَلّي على مَنْ مَات مِنْ أهل القِبْلَة، ولا نُنْزِل أحداً مِنْهَم جَنّةً و لا نَاراً، و لا نَشْهَد عليهم بكُفْرٍ و لا شِرْكٍ و لا نِفَاقٍ ما لم يَظْهَر مِنْهم مِنْ ذلك شيءٌ، و نَذَر سَرائِرهم إلى الله تعالى.
و لا نرى الخروج على أئِمّتنا و وُلاة أمورنا وإن جَارُوا، و لا ندعوا على أحدٍ مِنْهُم إلا إنْ عَزَلَ نَفْسَه بنصوص التّشريع الرّبانيّ، و لا نَنْزَع يداً مِنْ طَاعَتِهم، و نرى طاعتهم مِنْ طاعة الله عزّ و جلّ فريضةً ما لم يَأمِرُوا بمعصيةٍ، و ندعوا لهم بالصلاح و النجاح و المعافاة، و نتّبع السُنّة و الجَمَاعَة، و نجتنب الشُذوذ و الخِلاف و الفُرْقَة، و نحبّ أهل العَدْل و الأمانة، و نبغض أهل الجَوْر و الخيانة.
و نرى المَسْح على الخفين في السَفَر و الحَضَر كما جاء في الأثَر.
و الحجّ و الجهاد فَرْضَان مَاضِيان مع أُولِي الأمر مِنْ أئِمّة المسلمين بَرّهم و فَاجِرِهم لا يُبطِلْهما شيءٌ و لا يَنْقُضْهُما.
و نؤمن بالكِرَام الكَاتِبِين، وأنّ الله قد جعلهم حَافِظِين، و نؤمن بمَلَك المَوت المُوكّل بِقَبْض أرواح العَالَمِين، و بِعَذاب القَبْر لِمَن كان له أهلاً، و بسؤال مُنْكَر و نَكِير للميّت في قَبْرِه عن ربّه و دِينِه و نبيّه على ما جاءت به الأخبار عن رسول ربّه صلّى الله عليه و سلّم و عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، و القبر رَوضَة مِنْ رِيَاض الجَنّة أو حُفرَة مِنْ حُفَر النّار، و نُؤمِن بالبَعْث؛ و بجزاء الأعمال يوم القيامة؛ و العَرْض و الحِسَاب؛ و قِراءة الكتاب؛ والثواب والعِقَاب؛ و الصراط و الميزان يُوزِن به أعمال المؤمنين مِنَ الخَير و الشرّ؛ و الطاعة و المَعْصِية.
و الجَنّة و النّار مَخْلُوقَتَان لا يَفْنَيَان و لا يَبِيدَان، وإن الله تعالى خَلَق الجَنّة و النّار، و خَلَق لهما خلقاً، فمَنْ شاء إلى الجَنّة أدخله فضلاً مِنْه؛ و من شاء مِنْهم إلى النّار أدخله عدلاً مِنْه.
و كلّ يعمل لِمَا قد فرغ مِنْه، و صائرٌ إلى ما خُـِلق له، و الخير والشرّ مُقَدّرَان على العِبَاد، و الاستطاعة التي يجب بها الفعل مِنْ نحو التّوفيق الذي لا يجوز أنْ يُوصَف المَخْلُوق بها تكون مع الفِعْل، وأمّا الاستطاعة مِنَ الصحّة و الوِسْع و التّمَكّن و سلامة الآلات فهي قَبْل الفِعْل؛ و بها يتعلّق الخِطَاب وهو كما قال تعالى ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) وأفعال العِبَاد هي بِخَلق الله تعالى و كسبٍ من العِبَاد، ولم يُكلّفهم إلا ما يُطيقونه، ولا يُطيقون إلا ما كلّفهم وهو حاصل تفسير قول “لا حول و لا قوّة إلا بالله”، تقول: لا حِيلَة و لا حركة لأحدٍ عن مَعْصِية الله إلا بمعونة الله، و لا قوّة لأحدٍ على إقامة طاعةٍ و الثبات عليها إلا بتوفيق الله، و كلّ شيءٍ يجري بمشيئة الله عزّ و جلّ و عِلْمِه و قضائه و قَدَره، غَلَبَتْ مَشيئته المَشيئات كلّها، و غلب قَضاؤه الحِيَل كلّها، يفعل ما يشاء و هو غير ظَالِمٍ أبداً، السُبّوح مُنَزَهٌ عن كلّ نقصٍ، و له كلّ كمالٍ، تقدّس عن كلّ سُوْءٍ، و تَنَزّه عن كلّ عَيْبٍ و شَيْنٍ، لا يُسْأَل عمّا يَفْعَل و هم يُسْأَلون.
و في دُعَاء الأحْيَاء للأموات و صَدَقَتِهم مَنْفَعةٌ للأمواتِ، والله تعالى يَسْتَجِيب الدّعوات و يقضي الحَاجَات و هو على كلّ شيءٍ قَدِير.
و نحبّ أصْحَاب النّبي صلّى الله عليه و سلّم، و لا نُفْرِط في حبّ أحدٍ مِنْهم، و لا نَتَبَرّأ من أحدٍ مِنْهُم، و نَبْغَض مَنْ يَبْغَضهم، و بغير الحَقّ لا نَذْكُرُهم، و نرى حُبّهم دِيْنَاً و إيماناً و إحْسَاناً، و بُغْضَهم كُفْرَاً و شِقَاقَاً و نِفَاقَاً و طُغْيَاناً، و نُثْبِتُ الخِلَافة بعد النّبي صلّى الله عليه و سلّم أولاً لأبي بكرٍ الصِدّيق رضي الله عنه تفضيلاً و تقديماً على جميع الأمّة، ثمّ لعُمَر بن الخَطّاب رضي الله عنه، ثمّ لعُثْمَان بن عفّان رضي الله عنه، ثمّ لعَليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، وهم الخُلَفاء الرّاشِدِون، و الأئمة المَهْدِيّون الذين قَضَوا بالحقّ و كانوا به يَعْدِلون.
وإنّ العَشْرَة الذين سَمّاهم رسول الله نَشْهَد لهم بالجَنّة كمَا شهد لهم رسول الله، و قوله الحقّ أبو بكرٍ؛ و عمر؛ و عثمان؛ و عليّ؛ و طلحة؛ و الزُبَير؛ و سعد؛ و سعيد؛ و عبد الرحمن بن عوف؛ وأبو عبيدة بن الجرّاح وهو أمين هذه الأمّة رضوان الله عليهم أجمعين، ومن أحْسَنَ القَوْل في أصحاب النّبي و أزواجه و ذرياته فقد بَرِئ مِنَ النِفَاق.
و علماء السَلَف مِنَ الصّالحين و التّابعين و مَنْ بَعْدَهم من أهل الخير والأثر وأهل الفِقْه والنَظَر لا يُذْكَرُون إلا بالجَمِيل، و مَنْ ذَكَرَهم بسوءٍ فهو على غير السّبيل.
و لا نُفَضّل أحداً مِنَ الأولياء على أحدٍ مِنَ الأنبياء، و نقول نبيٌ واحدٌ أفضل مِنْ جميع الأولياء، و نُؤمِن بما جاء مِنْ كراماتهم، و صحّ عن الثِقَات مِنْ رِوَاياتهم.
و إنّ مِنْ شرط الوَلّي العِلْمُ، و ليس مِنْ شَرْطِه الكَرَامة، فإنْ ظَهَرَ بعد العِلْم الشرعيّ عِلْمَا وعَمَلاً كَرَامةٌ ( خَرْقٌ كَوْنِيّ لِلعَادة ) فهذا أشدّ إثباتاً في وِلَايَة هذا الوَلّي لله تعالى.
و نَجْزُم مُؤمنِين أنّ خَوَارِق الأولياء إنْ ظَهَرتْ على عالمٍ عامِلٍ بِشَرعِنَا الإسلامي فهو يُسَمّى في حقه كرامةٌ.
و أنّ نَفْسَ الخَرْقِ لِلعَادَة إذا ظَهَر على مسلمٍ بَسيطٍ غير عَالِمٍ فهو يُسَمّى في حقّه إعَانَةٌ.
و أنّ نَفْسَ الخَرْقِ لِلعَادَة إذا ظَهَر على غير مسلمٍ و هو غير عالمٍ بِشَرعنا الإسلامي فهو يُسَمّى في حقه اسْتِدْرَاجٌ.
و أنّ نَفْسَ الخَرْقِ لِلعَادَة إذا ظَهَر على غير مسلمٍ و هو عالمٌ بِشَرعِنَا أو أيّ دِيْنٍ آخرٍ فهو يُسَمّى في حقّه إهانةٌ.
و نُؤمِن بأشراطِ السّاعة، مِنْهَا خُرُوج الدّجَال، و نُزُول عِيسى عليه السّلام مِنَ السّماء، و بِطُلُوع الشّمس مِنْ مَغْرِبِها، و خُرُوج دابّة الأرض مِنْ مَوضِعِها.
و لا نَصَدّق كاهناً و لا عَرّافَاً، و لا مَنْ يدّعي شيئاً بِخِلَاف الكِتَاب و السُنّة و إجماع الأمّة، مع التمييز بين عُلُوم الغَيْبِ المُطْلَق التي لا يَعْرِفُها أحدٌ؛ و علوم الخَفَاء؛ و علوم البُطُون؛ و علوم الاسْتِتَار؛ و علوم الكَشْفِ الكَوْنِيّ الذي يَهَبُه الله تعالى للبعض دون البعض من أمّته فهو يختصّ بِرَحمته مَنْ يَشاء مِنْ عِبَاده و هو يَصْطَفي ما يَشاء و يَخْتَار. و نرى الجَمَاعَة بالله تعالى حقاً و صَواباً، و الفُرْقَة زَيْغَاً و عَذَاباً.
و أنّ السِحْر حقّ، و العَيْن حقّ، وأنّ مُمَارَسَة السِحْر كُفْرٌ، و أنّ العُلُوم الدَاخِلَة فيه علوماً مُحَرّمَة، و نُميّز بين عِلْم الحَرْف و طاقاته التي تُسْتَخْدَم في السِحْر فهي حرامٌ؛ و بين عِلْم الحُرُوف القُرآنيّة المُقَدّسَة التي هي بُنْيَة الكلام في القرآن الكريم و التي هي أدواتُ المًلائكة في الجَنّة، و بين عِلْم الأولياء الحَرْفِيّ الذي اختص الله تعالى به أولياءه.
وأنّ عَلِيّاً وَلّي الله، و أنّ مَنْ وَالَاه فقد وَالى رسول الله، و نَجْزُم بالإيمان و اليقين التّام أنّ أهل الكِسَاء الإمام الحَسَن و الإمام الحُسَين و عليٌ كرّم الله وَجْهَه و فاطمة الزهراء وآل البيت هم مِنَ الطّاهِرِين المُطَهَرِين عليهم الصّلاة و السّلام جميعاً.
و نقول بالعِرْفَان الرَبّانيّ زُهْدَاً و وَرَعاً، و لا نعبدُ شَخْصَاً و لا وَليّاً و لا قَبْرَاً، و لا نَذْبَح لغير وَجْهِ الله أضحيةً و لا نَذْرَاً.
و دِيْن الله في السّماء و الأرض واحدٌ و هو دِيْن الإسلام كما قال تعالى (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ))، و قال تعالى (( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )) فهذا دِيُنَنا و اعتقادنا ظَاهراً و بَاطِنَاً و نحن نَبْرَأ إلى الله تعالى مِمَنْ خَالَفَ الذي ذكرناه وبَيَنّاه، و نسأل الله تعالى أنْ يُثَبِتْنَا عليه، و يَختم لنا به، و يَعصمنا مِنَ الأهواء المُخْتَلِطَة و الآرَاء المُتَفَرّقَة، و الله أعلم بِالصَوَاب وإليه المَرْجِع و المَآب.