مجلة كلمة الله تعالى

(أنوار رمضانيّة – بقلم : الدكتورة رفيف صفاف – العدد (68

بسم الله الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على حبيبي و جدّي محمّد سيد الكمال وعلى آله و صحبه الأبرار الأطهار

و سلم اللهم تسليما كثيراً

اختار الله الحكيم شهر رمضان من سائر أشهر السنة ليكون شهر التنزّل القرآني حيث أُنزل القرآن الكريم جملة واحدة إلى بيت العزّة في السماء الدنيا ثم أُنزل على مواقع النجوم مفصلا على الشهور والأيام، يقول تعالى:”شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..” البقرة 185، و وافق هذا التنزّل الشريف ليلة مخصوصة من شهر رمضان هي ليلة القدر المباركة، يقول الله تعالى:”إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ” القدر1

و من خصوصية هذا الشهر الفضيل كما جاء في صحيح البخاري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين”، فإذا كانت الشياطين مصفّدة في هذا الشهر الفضيل بنصَ رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .. إذن و جب عليك أن تراقب أفعالك لتعلم :

أين أنت من رعونات النفس و الهوى!!! فتنبه!!

 و يختص شهر رمضان بعبادة مخصوصة هي العبادة الصياميّة، و الصيام في الاصطلاح الفقهي هو : إمساك مخصوص عن المفطرات الثلاث الأكل والشرب والنكاح، من شخص مخصوص هو المسلم، بصفة مخصوصة هي الطهارة عن الحيض والنفاس، في زمان مخصوص هو بياض النهار من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس .

أما الصيام لغة فهو: الإمساك والرفعة ، و يحدثنا العلّامة الدمشقي هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى عن معنى الرفعة في الصيام فيقول: “هي الرفعة و الارتفاع عن النكاح والشراب والأكل، و الارتفاع عن ملابسات النفس و عن النزعات الشهوانية، و هي الرفعة عن السباب والشتم و الغضب الغريزي الحيواني في الإنسان و عن الكبائر والرذائل، و الارتفاع عن عدم قول الحق و الرفعة عن دعم الظلمة والطغاة، و في الصيام رفعة عن آفات القلب و شواغل القلب من الأكوان عن رب الأكوان”.

لذا كان الصيام من عبادات القلب و المقصود بها تحقق القلب الإنساني بروح الصيام.

و من خصوصيات الصيام كعبادة قلبية أنه العبادة الوحيدة المتفردة بكونها -لله تعالى- فقد خرّج البخاري في الصحيح عن أبي هريرة قال ,قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” قال الله : كل عمل ابن آدم له ، إلا الصيام ، فإنه لي وأنا أجزي به …” و على هذا جاز أن تكون عطاءات هذه العبادة للمتحققين المحسنين مطلقة بإطلاق الكرم الإلهي .

 و تختلف روحانية الصيام في شهر رمضان عن غيره من الأشهر لاختلاف الأسماء الإلهية المشرفة على روح الصيام في كل منها، كما يختلف حكم الصيام المفروض في رمضان عن حكمه كنافلة في غيره، و أحب صيام النافلة لله تعالى هو صيام سيدنا داوود عليه السلام حيث كان يصوم يوما و يفطر يوما، فقد جاء في صحيح البخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم يوما ، ويفطر يوما ” و في هذا الصيام سر جميل حيث أن التعاقب بين الصوم والفطر فيه روح الكثرة و الحشد لتجليات الأسماء المشرفة على روح الصيام و الفطر، و بهذا فإن تعاقب هذه التجليات فيه تحقق بأنوار الكمال العبدي.

نسأل الله الصَمَد أن يجعلنا من المحسنين المتحققين بكمال الصيام لوجهه الكريم

و الحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى