مجلة كلمة الله تعالى

(حفل إحياء السنة – بقلم : معالي الدكتور لواء فلازي – العدد (66

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلّ على سيدنا محمد نور الفرقان وسيد الإنسان وخير الثقلان ورحمة الأكوان وسلم بما يسلم به كل محب وعاشق ومتودد وآله وصحبه وسلم

هذه المقالة مهداة إلى سيدي ومولاي العارف بالله سماحة علأَّامة الديار الشامية الشيخ د.هانيبال يوسف حرب أول من تعرفت به على إحياء السنن الميتة , شكراً مولاي .

 

قال موظف المطار ” أهلا بكم وسهلاً في بلاد القلب العامل “.

رد الثلاثة ” شكراً هذا من لطفك “.

سأل الموظف ” وفي أي شيء اجتمعت عليه ثلاث مثلكم ؟”.

قال الأول :” ولادة شريفة جديدة لميت طال موته “.

قالت الثانية :” فرح جديد بحلته قديم في افتقاده , حرمتم منه مدة”.

قال الثالث :” خلط وتمزيج أبحث له عن فصل وتمييز”.

قال الموظف وهو يختم جوازات السفر:

أهلا بك سيد إحياء السُنّة ابن محب الرسول , وبك سيدة سُنّة شريفة بنت شرع الحق , وأتمنى لك إقامة طيبة سيد تخليط عقلي ابن محجوب.

انطلق الضيوف الثلاثة إلى مبنى دار التوليد الملكوتي وما إن وصلوا حتى سألوا الاستقبال : ” أين الغرفة 313 من فضلك ؟”

بعد أن نظرت عاملة الاستقبال إلى السجلات قالت في غرفة إنعاش القلب , استغرب تخليط بن محجوب , فقد ظن أن الزيارة لولادة جديدة فإذا بها إنعاش .. ولكنه أحس بالحماس لأن كلام موظفة الاستقبال بيّن له أكثر مدى الخلط الذي يحصل ….

دخل الثلاثة إلى الحجرة 313 فإذا بضيوف عليهم أنوار بهية ذات هيبة ووقار وفرح وسرور , قاموا فرحبوا بالقادمين , وعلى السرير طفل صغير ملكوتي بديع الجمال …

فتوجهت السيدة سُنّة شريفة بنت شرع الحق مباشرة إلى المهد وقالت والفرحة على وجهها ودمع العين يغني :” أهلا بك سنونتي الأمورة طال عني غيابك الشهودي المُلكي ” .

قال السيد إحياء السنة ابن محب الرسول وهو يضع يده على خصرها ويعانقها بود وحب لا تراه إلا على من نضج بينهما الحب وتزين بالأعوام الطويلة :” إنه يشبهك , هل ترين عينيه الجميلتين وابتسامته الحلوة , له فيهٌ كَفيكِ ورموش كرموشك … أحبك يا سُنّتي”.

نظرت إليه سُنّة وقالت بدفء :” وأنا أحبك يا حياتي “.

وقف الجميع في مشهد الحب والشوق هذا وكأن على رؤوسهم الطير , وقد أسَرَتهم مشاعر الفرحة ولذة اللقاء .

وفي هذه اللحظة دخل رجل عليه بهاء وقوة ونشاط وحيوية وقال :” أهلا بكما والحمد لله على السلامة كيف حال المولود الجديد ؟”

قال السيد إحياء :” بأفضل حال شكراً لك سيد مؤمن محمدي , وزوجتي تشكرك على جهودك في العناية بمولودنا “.

نظر السيد مؤمن محمدي إلى السيد تخليط عقلي وابتسم , وقال :” أكيد أنت السيد تخليط ؟ , هناك الكثير من الناس في الخارج ممن يحبوك ويتمنون لقاءك , وهناك الكثير من زملائي وأصدقائي وأهلي من المعجبين بك , ولكنني سعيد اليوم أكثر ليس فقط بلقائك ولكن بوجودك هنا “.

وهنا بلغت الحيرة الزبى لدى السيد تخليط عقلي فقرر أن يتكلم قال :

” مهلا … مهلا .. لا أقصد إزعاجكم ومقاطعة هذه اللقطة من هذا الفيلم العاطفي ولكن , ما الذي يجري هنا !!!!!

لقد جئت لأحضر ولادة فإذا بي أدخل غرفة إنعاش ! ولما توقعت رؤية مريض كبير في العمر وعليه أنابيب وأسلاك تقيس وظائفه الحيوية إذا بي أرى مولوداً بديع الجمال ! ثم ماذا أكتشف ! أن والداه كانا معي في السفر !!!! ثم يأتي رجل فيعرفني ويُعلمني بوجود معجبين بي …..فمن هذا ومن أنتم بالله عليكم ؟

قال أحد الضيوف صاحب العمامة الخضراء :” على رسلك … على رسلك … واطمئن , سنشرح لك وننبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا , أما المولود فهو سُنّة كانت قد ماتت فأراد ربك إحياءها على يد السيد مؤمن “.

قال تخليط :” ماذا سُنّة جديدة … هل جننتم ألا ترون أنها طفل صغير جديد , كل السنن ولدت في عهد سيدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ولا سنن تولد بعده , إن هذه إلا بدعة , ألا إن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار !!!!” .

قال الضيف صاحب العمامة الخضراء ” ألم أقل لك إنك لن تستطيع صبراً “.

تخليط عقلي :” كيف تطلب مني أن أصبر على هذه الخزعبلات ….”!

نظر الضيف إلى السيد إحياء نظرة وتبسم ففهم اللبيب ما المراد فقال :” إن هذا المولود جديد بمادته قديم بروحه , كنا قد افتقدناه في عالم الملك عندنا وما نلتقيه إلا في الملكوت , وهو سُنّة كانت قد ماتت وأعاد الله تعالى إحياءها على يد مؤمن محمدي فهل تنكر قدرة الحق على الإحياء بعد الإماته ؟”

قال تخليط :” معاذ الله .. إنه يحيي ويميت وإليه المصير , ولكن السنن معروفة ومحفوظة في الكتب فمن أراد السنة رجع إلى الكتب “.

قال الضيف :” الكتب للتدوين ولحفظ الوصف , أما الإحياء فيحتاج لولادة جديدة ولإنعاش , ألا ترى أنك لا تشبع بقراءة ألمع كتب الطبخ !”

تعجب تخليط من هذا الكلام البديع , فالعقل يتغذى على المعلومات ولكن الإنسان ليس فقط عقلاً .

تخليط عقلي :” أقر لك بهذا , ولكن أمتنا اليوم بحاجة للمواظبة على سنن هي أبدى من هذا المولود الجديد , وهذه السنن معروفة ومعلومة , لماذا تتركون تلك السنن وتلحقون سنة يعني برأي ممكن الاستغناء عنها “.

ضج الضيوف استنكاراً لهذا الكلام وقالت السيدة سُنّة شريفة بنت شرع الحق :” يمكن ماذا … !! كيف يصل بك التخليط إلى هذه المرحلة “

تخليط :” أأأأ … يعني لم أقصد الاستغناء عنها نهائيا ولكن أقصد أنه المحافظة على نوافل الصلاة أفضل من سنة إطالة الشعر أو تغطية الرأس عند دخول الخلاء مثلاً …..”.

الضيف :” السنة هي ما تواتر إلينا عن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من قول أو عمل أو وصف قام به صلوات الله عليه أو وافق عليه غيره , فحتى التمثل بأوصافه صلوات الله عليه سنة ولا يوجد سنة يمكن التخلي عنها وسنة أبدى من سنة فكلنا تفصيلات الجمع المحمدي صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه وكل له من هذا الجمع نصيب فانظر ما نصيبك”.

تخليط :” ولكنني أفضّل الحفاظ على سنة مثل نوافل الصلاة على الاعتناء بإطالة شعري ….. !!!”

الضيف :” هذا لأنك خلطت بين فضل تطبيق السنة وبين فضل إحياء السنة “.

نظر تخليط وعلامة التخليط ظاهرة على وجهه , وكأنه يقول لم أفهم كلامك هذا.

قال الضيف :” إذا ماتت سُنّة صار علينا واجب جديد تجاهها وهو واجب الاحياء بالاضافة إلى واجب التطبيق , فأنت بتطبيقك سنة حية لك فيها فضل التطبيق والتقرب إلى الله بالنوافل ولكن لنا بإحياء السُنّة ليس فقط فضل من عمل بها بعدنا وإنما فضل الفضائل وسيد الأفضال …”

قال السيد تخليط مستعجباً :” وما هو هذه الفضل ؟”

نهض أحد الضيوف وقال حدثني أبو جعفر النفيلي ، حدثني عاصم بن سعيد ، عن معبد بن خالد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أحيا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة “.

تخليط :” ومن أنت ؟”

قال الضيف :” أنا يعقوب بن إسحاق بن الزبير الحلبي “

وقال ضيف آخر :” نعم هو ذاك وقد أوردت حديثه هذا في باب العين من كتابي المعجم الأوسط “

وقال ضيف آخر :” نعم لقد سمعت هذا الحديث وحدثنيه عبد الله بن سليمان بن الأشعث , ثنا كثير بن عبيد , ومحمد بن المصفى الحمصي , قالا : ثنا بقية بن الوليد الحمصي , عن عاصم بن سعيد المزني , عن معبد بن خالد , عن أنس , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أحيا سنتي فقد أحبني , ومن أحبني كان معي في الجنة ” , أنا عيسى بن علي “.

تعجب تخليط عقلي من هذا الحضور , وكأن في الحجرة 313 لم يعد للزمن وجود واجتمع المضيئون من الماضي والحاضر على مائدة إحياء السُنّة المشرفة , ونظر إلى الضيف صاحب العمامة الخضراء وقال :” على هذا وحسب ما قيل … بصراحة أخشى أن أسألك من أنت ؟”

فقال له ضاحكاً ” ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً “.

خرج السيد تخليط من الحجرة على عجلة والكل ينظر إليه من الأطباء والممرضات وحتى البواب وهم يبتسمون ابتسامة سعادة مخلوطة بالاستهزاء ولم يرتح حتى غادر دار التوليد حيث كان أنصاره وأحبابه ينتظرونه ليرحبون به ويعانقونه ويحملوه على أكتافهم مغادرين دار التوليد ومن فيها من مولود وضيوف .

و إلتمّ الضيوف على المولود الجديد وغنوا له وهم يضحكون بسعادة ” طلع البدر علينا … “.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى