مجلة كلمة الله تعالى

(معراج القيام – بقلم : معالي الدكتور لواء فلازي – العدد (65

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيبي وحبيب رب العالمين محمد خير من قام الليل وخير بيت قام الليل فيه وخير حجرة الليل من كان رحمة للعالمين فكان رحمة لليل فكان به الليل وله , فإن نظرنا إليه وجدنا وجهه بدراً وأهله ليلٌ فقال الراصد للقمر هذا بدر 14 وقال العارف هذا وجه الوهاب ساحر الألباب وسيد الأحباب وقمة الأخلاق والآداب صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه أجميعن وورثته الأطياب الطاهرين , من كانوا صوراً لسوره ومجلى الحجرة الفؤادية , بارك لنا بهم وأكرمنا بخدمتهم والانتساب إليهم والذوبان في القلب المحمدي بهم.

يقول مولاي العارف بالله تعالى سماحة علَّامة الديار الشامية الشيخ د.هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى :

فرق كبير بين من قام الليل وبين من أقامه الليل وبين من قامه الليل وبين من الليل قامه .

وفي هذا القول عروج في المقامات فكلما تقدمت ارتقيت , وهذا العروج إنما هو في أوله على رقائق الزمن والمكان والإرادة والقدرة وفي آخر الظاهر منه على التحقق , فالذي يقوم الليل وهو الأول إنما خضع لسلطان الزمان والمكان فصار قيامه محدوداً بالليل وبالمكان الذي حل فيه الليل, علماً أن الليل دائماً موجود ككائن في الكون ولكنه يغيب مكانياً عن منطقة ما , فعندما تغيب الشمس في بلد من منطقة زمانية ويدخل الليل الأول عليها يكون في المنطقة المجاورة لم يدخل بعد , وفي المنطقة التي تسبقها ما زال النهار قائماً , فالذي ينتظر الليل ليحل فيقومه إنما خضع لسلطان الزمان والمكان , وهذا من جهة رقيقة الزمن والمكان أما من جهة رقيقة الإرادة والقدرة فإن الذي يقوم الليل إنما يرى نفسه قائماً ويرى نفسه قد أراد القيام وتجاوبت له قواه في التوجه والتوضؤ و تهيئة المكان والقيام بأعمال القيام من صلاة وذكر وتلاوة أو دراسة وتفكر , وهذا على ما هو عليه من نور استوجب عتبة العروج الذي ندرسه إلا أنه حجاب عن الحق سبحانه وتعالى الذي لا حول ولا قوة إلا به المطلق حتى عن قيد الإطلاق .

 أما الذي أقامه الليل فقد فني عن الإرادة والقدرة فإذا ما جاء الليل أقامه الحق وحركه وبعث فيه دواعي القيام كما يفعل سبحانه مع الأول ولكن الثاني قد رفع عنه حجاب الإرادة والقدرة فعلم وعرف فشهد أن ما سرى فيه ليس منه وإنما من الحق , ولكنه على شهوده المحمود هذا خضع لسلطان الزمن والمكان , فكان المدد الحقاني والسريان الرباني يحتاج لليل حتى يسري فيه بشهود العبد, والحق سبحانه وتعالى مطلق عن الزمان والمكان لا يقيد مدده كائن ولكنه وحده سبحانه قادر على تقييد مدده فيما يريد ولمن يريد , كما يحصل مع الرابع الذي الليل قامه , الذي فني ليس فقط عن الإرادة والقدرة ولكن تجاوز أيضاً المكان والزمن فقامت به أسرار الليل من بطون الباطن والولوج إلى عالم الجمع الأحدي فصار وقته كله ليل لقيام الليل فيه , ولسنا هنا في هذا المقام نتكلم عن الحقيقة الفيزيائية التي تكلمنا عنها من أنه حتى في وضح النهار هناك في مكان ما حول الأرض ليل فلا ننكر إمكانية التواصل معه , إذ أن في هذا القول يكون الليل في هذا المقام كائن والعبد في هذا المقام كائن يتواصلان والعبد إنما يرى الليل الكوني , أما في مقامنا هذا فإن الليل الذي يقوم في العبد إنما هو الليل الجمعي المجموع عليه بجمع العبد على ربه , فهو بلغة العقل سورة الليل قبل أن تراه صورةً ليلاً كونياً , وإنما صغنا العبارة السابقة بلغة العقل لقولنا “قبل” , أما في عالم الجمع حيث هذا المقام فليس هناك قبل ولابعد ولكن للضرورة العلمية والدراسية , ولا يخفى علينا انجذاب الليل لهذا العبد وحبه القيام فيه لما يكونه العبد نافذة يُطل منها الأصل على فرعه , فالليل أصل الأوقات وإنما سُلخ النهار منه , والعبد بهذا المقام صار نافذة مكانية يُطل بها الليل الباطن في قيامه على النهار الكوني ويكون العبد في هذا القيام نقطة إجتماع لما هو عليه من الجمع الحقاني , وهذا المقام على شرفه العالي إلا أنه مقيد بسطوة الأفعال , فليس للعبد من الليل إلا القيام , فصار صورة لفعل قيام الليل , فإن رقّاه الله سبحانه وتعالى أفناه ليس فقط عن الإرادة والقدرة والمكان والزمن إنما عن كل شيء فصار عبداً ربانياً محبوباً , فليس لليل أن يزوره زيارة ويقومه ثم يولي عنه ليقومه مدد آخر , وإنما إن دخل عليه الليل أحبه فما غادره وما ابتعد عنه بقيامه وسكونه وأسراره وفهومه وأبعاده … فصار بيتاً لليل , فكما أنك في بيتك على عدة أحوال من قيام وقعود وأكل وشرب و .. و … كان الليل فيه , والعبد هنا ولي لله تعالى , فليس يرى قيام الليل من حيث أنه كائن قائم بذاته , وليس يبقى مع الليل من كونه كائن كما يحصل مع الذي قبله وإنما يشهد نور الحق في الليل الذي فيه فليس يشاركه في خلوته مع محبوبه حتى هو, ولسنا نقيد الكينونة في العبد على الليل تخصيصاً , وإنما إذا أحب الله عبداً أمر سيدنا جبريل عليه السلام في أن ينادي في السموات والأراضين أنه يحبه فتحبه ويحبه من فيها , وإنما الليل في كلام مولانا هنا هو براق المعراج الذي نحن فيه

 فتمسك بأقوال العارفين واربط   على نفسك حزام الزهد والشـــــرع

فإن كلام أهل الله معراج صعود   وبراق يُجمع به الأصل على الفرع

 ولعلك أدركت أن العروج لم ينتهي بمقامنا هذا , وإنما كانت هذه الجملة والعبارة كالدفع الطاقي الأول الذي ينتهي بهاء على الضم ” أقامهُ” , وكما أن الأول كان عتبة عروجنا فيما فصلناه فإن الهاء المضمومة هنا عتبة العروج فيما لا يُصاغ كلاماً وإنما يُعرف وهي بحر الجمع الأحدي على الهوية الذاتية , فلست ترى العبارة مبتدأة بفاء ومنتهاة بهاء , وإنما هذا الظاهر منها وما بطن أمتع .

أشكر مولانا العارف بالله د.هانيبال يوسف حرب على هذه الرحلة المعراجية الممتعة , واللذيذة , وهذه الهدية راجياً من الذي تجلى عليه بكشف الأسرار أن يتجلى عليه بالرضا علينا والأخذ بأيدينا إلى عتبات ( قاب قوسين أو أدنى ).

ولله الحمد عليه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى