مجلة كلمة الله تعالى

(سيناتل – بقلم : معالي الدكتور لواء فلازي – العدد (77

 بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلّ على سيدنا محمد السين الساري الممتد المتشابك رحمة في الأكوان جنتك إلينا منك فينا وآله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين

 

ربيع : شارع الملك فؤاد لو سمحت .

طلب ربيع من سائق التكسي إيصاله إلى مقر شركة سيناتل للإتصالات ليحصل على الخدمة الجديدة , نظام موبايل لا تحتاج معه لتحمل موبايل أصلاً , وإنما هي رقاقة باطنية يتم زرعها تحت الجلد فقط .. هكذا أخبره صديقه رشيد ولاية , ولو لم يكن هذا الرشيد من الموثوقين لديه لما صدقه , لأن هذا الكلام عجيب حتى مع التطورات التكنولوجية التي نشهدها كل يوم , ولهذا أراد أن يرى هذه الخدمة بأم عينه و يعرفها أكثر وأكثر فذهب للمعاينة .

عندما وصل ربيع أدهشه تصميم مبنى الشركة , وكأنه تصميم من المستقبل البعيد , حتى أنك إذا نظرت إلى الأبنية عن شماله وعن يمينه أحسست وكأنه جاء من الفضاء وحُشر حشراً بين الأبنية .

دخل ربيع إلى الشركة وتوجه نحو موظفة الاستقبال ..

ربيع : صباح الخير , عفواً أريد الاستفسار عن خدماتكم في الإتصالات ؟

الموظفة : نعم تفضل .. هل هناك خدمة معينة تبحث عنها ؟

ربيع : نعم أخبرني صديق لي عن خدمة الرقاقة التي تزرع تحت الجلد ولا تحتاجين معها جهاز موبايل …!

الموظفة : نعم هذه رقاقة سينافيك وهي توفر لك خدمة الإتصال الأمثل مع من تحب .

ربيع : لم أفهم , ولم يستوعب عقلي كيف أستطيع أن أتواصل مع من أحب برقاقة سينافيك دون جهاز … !

الموظفة : نعم , معك حق , تخيل لو أنك تستطيع أن تحمل معك من تحب دون عناء وتتواصل معه في أي وقت تشاء وتريد كما لو أنه معك بكامل كيانه … ألن يكون هذا رائع !

ربيع : ولكن هذا ما يفعله الموبايل بالضبط , فأستطيع الإتصال بمن أحب في أي لحظة أشاء .

الموظفة : دعني أوضح لك شيئاً , كما قلتَ فإنك بالموبايل أو بأي أجهزة إتصال حديثة تستطيع الإتصال , أما برقاقة سينافيك فإنك تتواصل , بالإتصال تسمع الصوت وفي أحسن الحالات ترى صورة من هو بعيد عنك , أما برقاقة سينافيك فإنك تحس بمن تحب وكأنه حي داخلك ويكلمك …

وما كادت تنهي الموظفة كلامها حتى دخل رجل إلى الشركة وتوجه نحوها وعلى الرغم من مظهر الرجولة عليه إلا أنه كان يمشي كما لو كان إمرأة وهو يقول :

الرجل : أرجوكم لا تردوا على زوجي , أريد أن أشكركم على رقاقة سينافيك سوبر توكل , أرجوكم أن ترفضوا طلبه بالإلغاء …

وما هي إلا ثوانٍ ..

الرجل : عفواً لقد كانت هذه زوجتي , وقد سيطرت علي بخدمة سينافيك سوبر توكل , أريد حلاً لهذه المشكلة , كلما اتصلت بها سيطرت علي واستولت علي حتى أنها صارت تزرع في ذهني أفكارها ..

ربيع : يعني الذي كان يتكلم منذ لحظات بصوتك هي زوجتك ؟

الرجل : نعم وكانت تتحرك بعضلاتي , وتنظر بعيني , وتسمع بأذني ……

الموظفة : الأمر بسيط , عليك فقط أن تراجع ذلك المكتب على اليمين حيث سيضبط لك الإعدادات كما تريد وترغب .

الرجل : ياريت , شكراً .

غادر الرجل فقال ربيع مستغرباً : هذه مسألة خطيرة , لا أريد أن أتصل بحماتي فينتهي بي الأمر تحت سيطرتها .

الموظفة : الأمر ليس بهذا الشكل , فهناك قائمة في إعدادات التوكل …

أخرجت الموظفة شاشة صغيرة وأخذت تشرح لربيع : كما ترى من لائحة الإعدادات فإنك تستطيع أن تختار فقط أن يكون من تتصل به برقاقة سينافيك سمعك فيسمع ما تسمعه , ويمكنك أن تختار من هذه اللائحة أن يكون من تتصل به برقاقة سينافيك بصرك فيرى ما تراه , وكذلك شمك , وذوقك و … و …. كل حواسك .

أما في حالة هذا الرجل فأعتقد أن زوجته استطاعت أن تدخل إلى قائمة الإعدادات وتختار سوبر توكل حيث يصبح من تتصل به مسيطراً ليس فقط على حواسك بل وعلى عضلاتك وأفكارك وإرادتك و …. كلك , يعني بمعنى آخر يكونك .

ربيع : وأين أكون إذا كانني الشخص الذي أتصل به .

الموظفة : لا تكون إلا بشكل إعتباري فقط , ولهذا وضعنا صمام أمان زمني بحيث تلغى خاصية سوبر توكل أوتوماتيكياً بعد 30 ثانية حتى تستعيد وجودك وسيطرتك على عوالمك .

ربيع : وإذا أراد الشخص أن تستمر هذه الحال أكثر من 30 ثانية ؟

الموظفة : عليه أن يتقدم بطلب إخلاص في مقرنا هنا في الشركة ويحدد المدة .

ربيع : أستطيع أن أستوعب أن هناك من يختار خاصية السمع أو حتى البصر ويمكن اللمس ولكن سوبر توكل !!! من هذا الذي يختارها …

الموظفة : أووووووه الكثير , مثلاً من يومين جاء طالب بكالوريا وتقدم بطلب تمديد مدة صمام الأمان الزمني إلى ساعتين هل تعرف لماذا ؟

ربيع : يا إلهي لكي يتصل باستاذ المادة التي يمتحن بها فيرى الأستاذ الأسئلة ويفكر بعقله ويحرك يده ويجيب عنه ….

الموظفة : بالضبط .

ربيع : ولكن هذا غش !!

الموظفة : أبداً , وسأخبرك لماذا .

لأن الأستاذ عندما يتواصل مع الطالب ويحل به الأسئلة تنتقل خبرة الأستاذ إلى الطالب وتصبح جزءاً منه , فلو أعاد الطالب حل أسئلة الإمتحان من نفسه لحلها تماماً كما الأستاذ .

ربيع : إذاً لماذا الإمتحان , يتواصل الأستاذ مع الطالب وينقل له الخبرة .

الموظفة : بل لماذا أصلاً ينقل له الخبرة إذا كنت تستطيع برقاقة سينافيك سوبر توكل أن تكون أكثر الناس خبرة في أي مجال تريده , بمجرد إتصالك بالخبير الأكثر خبرة .

ربيع : إنها قوة هائلة .

الموظفة : إذا أردت إصلاح التلفاز تتصل بخبير التصليح برقاقة سينافيك سوبر توكل , وإذا أرادت زوجتك تسريحة آخر موضة يمكنك الإتصال بأشهر المصففات في باريس برقاقة سينافيك سوبر توكل , ….

ربيع : ياسلام … كم تصبح الحياة سهلة فرقاقة سينافيك سوبر توكل تجمع بداخلك العالم كله .

الموظفة : تماماً .

ربيع : وهل عملية زراعة الرقاقة مؤلمة ؟

الموظفة : لا أبداً , نحن لا نزرعها ولكن نفعلها ونضعها في حيز الإستعانة .

ربيع : لا تزرعوها ! من يزرعها إذن ؟

الموظفة : إنها مزروعة مع كل واحد فينا منذ الولادة .

ربيع : يكاد كلامك هذا يحولني إلى خريف .

الموظفة : سلامتك , هذه الرقاقة موجودة في كل الكائنات ولكن هناك من يريد تفعيلها فينعم وهناك من لا يريد تفعيلها فيشقى ويتعذب .

ربيع : يعني قصدك هي الآن داخلي .

الموظفة : هي الآن والأمس والعام الماضي وغداً وبعد غد …

ربيع : وكيف لم أشعر بها , لقد قمت أكثر من مرة بتصوير شعاعي ومرنان مغناطيسي لمشاكل صحية ولكن لم تظهر .

الموظفة : لأنها عالية التشابك حتى أن هذه الأجهزة لا تميزها , وإلا كيف يستطيع من تتواصل معه من التواصل مع كل خلية من جسمك !

كما أنك لا تستطيع أن ترى ما لا تعلمه وتبحث عنه , أما الآن فقد علمت .

ربيع : يا سلام هذا يوفر النفقات علي , أريد أن أفعّلها فماذا أفعل .

 ابتسمت الموظفة إبتسامة مشرقة لم يرى مثلها في حياته حتى أن اصطفاف أسنانها ولألأتها الأخاذة أدهشته … وقالت بأجمل صوت سمعه في حياته :

صلّ على النبي وفعّل الرقيقة المحمّديّة في ذاتك تتواصل معه وإنوي بصلاتك أن يكونَك .

 تراجع ربيع إلى الوراء وهو ينظر إلى الموظفة من وطئ المفاجأة , فلم يتخيل أبداً أن تكون هذه التكنولوجيا العالية الدقة بهذا الشكل … وترنح كما السكران وخرج من الشركة لا يعرف أين يمشي , ولا يعرف هل يفرح لروعة ما سمعه أم يبكي على غفلته عن وجود رقاقة سينافيك الواصلة بنبينا محمّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم , وسرعان ما استجمع قواه وركب بسيارة الأجرة وعاد إلى منزله ليتدثر وينام نوماً عميقاً .

وبعد أسبوع , عندما ذهب الروع عن ربيع وعاد إلى توازنه , قرر أن يزور الشركة مرة أخرى , فركب السيارة وتوجه إلى شارع الملك فؤاد كما المرة الماضية ولكنه هذه المرة لم يرَ الشركة وكأنها انتزعت من مكانها ووضع بناء عادي متناسق مع الأبنية التي على اليمين وعلى الشمال , حتى أنه عندما سأل الناس استغربوا من وجود هذه الشركة وقالوا له أنه لا وجود لها وأن الشارع على ما هو عليه منذ أعوام , فعاد ربيع إلى منزله وهو في طريق العودة لم يحزن , ولم يتألم , لأنه هذه المرة , وأثناء عودته كان يصلي على النبي صلوات ربي وسلامه عليه بلا توقف ولا انقطاع راجياً أن تتفعّل الرقيقة المحمّدية فيه ويكونه .

اللهم صلّ وسلم على الحبيب محمّد صلاة عشق مستمرة وسلام حب دائم تفنينا بها بحبك فلا نكون وتكون , وآله وصحبه وسلم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى