مجلة كلمة الله تعالى

(تذوق الجمال (3) – بقلم : الدكتورة فايزة الجعبري – العدد (67

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله الجميل ، و الصلاة و السلام على القائل إن الله جميل يحب الجمال محمد بن عبد الله صلاة جمال و كمال و على الآل و الصحب و الوارثين و التابعين إلى يوم يقوم الأشهاد …

كنا قد ذكرنا في المقالات السابقة من تذوق الجمال و الفن معادلة التذوق الجمالي و تحدثنا عن التذوق و تفصيلاته، ثم انتقلنا للحديث عن الجمال و تفصيلاته …

أما في هذا الجزء من مقالة تذوق الجمال و الفن فسنذكر الجزء الثالث من معادلة التذوق الجمالي الفني ، و هو الجزء المتعلق بالفن …

الفن و تفصيلاته :

الفَن :
الفَنُّ : الحالُ ، والضَّرْبُ من الشيءِ ، كالأُفْنون .

ج : أفْنانٌ وفُنونٌ ، والطَّرْدُ ، والغَيْنُ ، والمَطْلُ ، والعَناءُ ، والتَّزْيِينُ . ( القاموس المحيط )

هناك جدل كبير و اختلاف أكبر حول تعريف الفن ، فلكل حضارة و لكل مدرسة فلسفية تعريفها الخاص للفن ، إلى أن ما تفق عليه دائماً هو أن تعريف الفن بقي تابعاً لتعريف تلك الحضارة أو المدرسة الفلسفية للجمال، و لكن حاليا يتم اعتماد هذا التعريف في أغلب الأحيان عند الحديث عن الفن:

فن : مفهوم شامل يضم إنتاج الإنسان الإبداعي ، وتعتبر لوناً من الثقافة الإنسانية لأنها تعبير عن ” التعبيرية الذاتية ” وليست تعبيراً عن حاجة .

فنون مرئية / بصرية : مجموعة الفنون التي تهتم أساسا بإنتاج أعمال فنية تحتاج لتذوقها إلى الرؤية البصرية المحسوسة على اختلاف الوسائط المُستخدمة في إنتاجها .

فنون جميلة  :الفنون التي ترتبط بالجمال والحس المرهف اللازم لتذوقها ، وترتبط حالياً بالدراسة الأكاديمية للفنون الكلاسيكية الجميلة مثل الرسم والتصوير الزيتي والنحت والعمارة والموسيقي والباليه .

فنون تشكيلية : هو إنتاج عمل فني من الطبيعة ويُصاغ بصياغة جديدة ؛أي يُشكل تشكيلاً جديداً ، وهذا ما نطلق عليه كلمة (التشكي) .

فنون تطبيقية  :الأعمال الحرفية التي نتتج اعمالاً تتصف بالجمال وتحتاج إلى الحس الفني لإنتاجها .

تعددت المذاهب الفنية في أوروبا بعد انقضاء فترة الفن المسيحي الذي انتشر في القرون الوسطى فظهر فن النهضة العظيم في أوائل القرن الخامس عشر وصاحب ذلك اعتزاز الفنان بفرديته بدلا من أن يكون ذائبا في مجتمع كبير .

إلا أن التغيرات الدينية والسياسية والفكرية التي ظهرت في المجتمع عام 1600 كان لها دور في ظهور فن الباروك الذي كان في خدمة الطبقة البروجوازية وطراز الروكوكو الذي ارتبط بالعائلات الحاكمة ، على أن طراز الروكوكو اختفى من فرنسا بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789م وظهر فيها طراز فني استمد مقوماته من الفنون الإغريقية الرومانية باسم الكلاسيكية العائدة .

وتوالت الحركات الفنية في الغرب منذ مطلع القرن التاسع عشر فظهرت الرومانسية والطبيعية والواقعية .. ولأول مرة في تاريخ الفنون الغربية نجد أن الهجوم التشكيلي للفن يخضع لتأثير العلم والاكتشافات الحديثة حيث بدأ العلماء يبحثون في علاقة الضوء بالألوان كما اخترعت آلة التصوير الشمسي وساهمت هذه الأحداث في ازدهار المذهب التأثيري ..

وما إن نصل إلى القرن العشرين حتى نقابل مذاهب جديدة من أهمها التكعيبية والوحشية والمستقبلية .. وعندما قامت الحرب العالمية الأولى أثرت الفوضى التي عمت البلاد في المجتمعات الإنسانية وانفعلت طائفة من الفنانين تبحث عن الشهرة بالأهوال والمآسي فضربوا بالقيم الجمالية التي ورثوها الفنان عن أجدادهم عرض الحائط وأخرجوا أعمالاً شاذة تحارب الفن عرفت باسم – الدادا – واختتمت هذه الحركات المتعددة بحركتي السريالية والتجريدية وتهدف الأولى إلى الغوص في أعمال اللاشعور على حين تسعى الثانية إلى البحث في جمال الأشكال اللا موضوعية والهندسي ، و من أشهر مدارس الفن :

 المدرسة الكلاسيكية .

المدرسة الواقعية .

المدرسة الرومانسية .

المدرسة التأثيرية أو الانطباعية .

المدرسة الوحشية .

المدرسة التعبيرية .

المدرسة التكعيبية .

المدرسة التجريدية .

المدرسة السيريالية .

المدرسة المستقبلية .

عندما جاء الإسلام ناشراً نوراً وفكراً توحيدياً صرفاً مغيراً بذلك حقائق الإشراك و الأغيار ، مرسياً حقائق توحيد القدس ، مبدعاً باعثاً لأنوار الأسرار ، و مغاليق صور الأكوان ، مؤسساً لحضارة كونية ، كان لابد أن يكون لنتاجه الفني ما يحمل هذا الطابع و هذه الحقائق .

و كون أن الفن كان دائماً مرتبطاً بمفهوم الجمال، جاء الفن الإسلامي شاملاً كاملاً محيطاً بحياة المسلم و عوالمه، فلم يكن الجمال أو الفن حكراً على طبقة معينه أو مجموعة مخصصة، بل كان لكل المسلمين و بكل الاشكال، فتنوعت أشكال الفن الإسلامي و تعددت صوره.

ويشهد لوبون بأن الفنون الصناعية شائعة بين العرب في كل مكان، وأن الأشياء التي يصنعها العرب صنعوها بروعةٍ تدل على اتّصاف أحقر صناعتهم بالذوق الفني.( جوستاف لوبون: حضارة العرب ص507)

لقد تحولت سائر المصنوعات الإسلامية إلى تحفٍ فنية، السيوف والدروع والرماح والحِراب والخناجر والخوذات وأسطوانات نقل الرسائل، وأثاث البيت من مقاعد ومناضد وصناديق الحلي، وصناديق حفظ الأشياء المختلفة، وأطباق الطعام والأباريق والأكواب والصواني والدويات، والأبواب والنوافذ، والأثواب والمنسوجات والمفروشات، و أسرجة الدواب ومصابيح المساجد، والمنابر وشمعدانات الشموع وكِفاف الميزان، والمفاتيح والقفول وحِلَق الأبواب والفؤوس، وأدوات الكتابة والأدوات الطبية حتى النارجيلة.. هذا كله إلى جانب المصنوعات التي تُعَدّ الزينة فيها عنصرًا أساسيًّا كالأقراط والعقود والخواتم وفصوص العمائم والخلاخيل، إلى غير ذلك من أدوات الزينة.

ويشهد ول ديورانت بأن استيعاب العرب لفنون من قبلهم كان استيعابًا وليس تقليدًا، أنتجوا به الجديد والأصيل، يقول: “بل كانت تركيبًا بارعًا من أشكال مختلفة لا ينقص من شأنها ما أخذه المسلمون عن غيرهم من الأمم، وتخطى الفن الإسلامي الذي انتشر من قصر الحمراء في الأندلس إلى التاج محل في الهند كلَّ حدود الزمان والمكان، وكان يسخر من التمييز بين العناصر والأجناس، وأنتج طرازًا فذًّا ولكنه متعدد الأنواع، وعبَّر عن الروح الإنسانية بأناقة موفورة فيَّاضة لم يَفُقْهَا شيءٌ من نوعها حتى ذلك الوقت”. (ول ديورانت: قصة الحضارة 13/240.)

الخاتمة :

بعد الحديث عن التذوق و الجمال و الفن صارت المكونات الرئيسة لمعادلة التوق الجمالي واضحة و عليه:

المتذوق + العمل الفني (باختلاف نوعه و مشربه) يعطي إدراك للجمال تذوق و استمتاع بما يحيطنا من جمال.

فالذوق وجدان حلاوة من التمني في رياض تروض الرضا ، وغايته الاستغناء في تصور معاني الحقائق عن نصب والبراهين السمعية والعقلية فصفاء المعاملات يوجب الذوق، فالجمع لمعاملات الحياة هو الوجب لثبات هذا التعرّف، فلا معرفة لميت، ولا تكون المعرفة إلا بالجمع، و حياة الجمع هي مداد الذوق.

فلا يتذوق طعم الجمال هؤلاء الذين  تـَبـلـَّدت مشاعرهم وتعطلت لديهم حواسهم الإدراكية حتى ولو كانت في الظاهر غير معطلة أو غير معطوبة، ولا يتذوق الجمال أيضا هؤلاء الذين طحنتهم الحياة  فعجنتهم في معتركها فهم يعملون الليل والنهار فمثل الواحد فيهم كترس الساعة  الذي لا يتوقف عن العمل، ليحصّل أعباء و أمور دنيويه لا قيمة لها.

وحتى هؤلاء الذين يتذوقون الجمال على درجات فيما بينهم كما هي نجوم السماء بين كبير وصغير وقريب وبعيد، فليست كل نجوم السماء على نفس المستوى الواحد فلا تتشابه في أقطارها ولا في أحجامها ولا في هيئاتها ولا في قربها من الأرض .. وهكذا نحن في إدراك الجمال وفي تذوقه  ..

العلماء فقط هم الذين يعرفون خطر النجوم وروعتها أكثر من كلِ الناظرين  إليها في تعجب ..وهكذا نحن مع الجمال …

و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل و الحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى