علوم سماحته

لماذا سميت بعلوم البرمجة الحرفية الكونية الروحية

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدي و جدي محمد نور الحق الظاهر و السر الساري فينا و على آله و صحبه و التابعين و الأحبة و سلم تسليما عظيما

مقدمة:
لعل مصطلح علوم البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة جديد في لفظه و معاصر في قالبه ، إلا أنه أصيل و متجذر في معناه و استمداده فجلّ هذه العلوم استمدت أنوارها و أسرارها من القرآن الكريم و السنّة النبوية الشريفة ،المصدران الجامعان لأسرار العالم “مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ” و اللذان شكّلا القاعدة المرجعية لهذه العلوم.
و على الرغم من المستند الشرعي لعلوم البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة إلا أنّ قالبها العلمي المعاصر و تطرقها لمواضيع تدخل في صميم الاحتياج الإنساني جعلها علوما رائدةً و متجددةً، علاوة على أنّ نُدرتها و فتوحاتها النبّاعة ميزتها بالأسبقيّة الحتميّة على علوم زمانها!

لماذا سميت بعلوم البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة ؟

بات اصطلاح (البرمجة) مطروقاً و معروفاً في زماننا ، فالبرمجة تقتضي إعادة وضع برنامج عمل جديد أو استبدال برنامج سابق ببرنامج جديد سواء كان المُبرمَج حاسوب أو آلة أو شخص، لذا فإنّ علوم البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة تعتمد على إعادة برمجة نظامك الذاتي و فق نظام جديد و مدروس بدقة متناهية.
لكن السؤال الأهم: أيّ برنامج في الإنسان يتم العمل على إعادة تنظيمه و برمجته؟
هل هو برنامجك العقلي أم العاطفي أم الاجتماعي ..؟
لا بدّ هنا أن نتوقف عند شرح بسيط لفهم البنية الإنسانية؛ فالإنسان مبنيٌ على عددٍ كبيرٍ من البرامج فكلّ عالَم مِنْ عوالِمه له برنامجه الخاص الذي يتعامل وفقه مع بقية البرامج، فنرى مثلاً علاقةً بين البرنامج العاطفي في الإنسان مع البرنامج العقلي و مثاله أنّك تتخذ قرارات عقلية و فق تأثرك العاطفي بأمر ما! و هذا يثبت الترابط و المؤثريّة بين البرامج المختلفة في تكوين الإنسان.

أثبتت الدراسات أنّ هذه البرامج الإنسانية تخضع لمؤثرات شتى، مثل التربية و المجتمع و نظام التعليم و غيرها، فكان لا بد مِنَ البحث عن النظام الأصلي الذي تخضع له جميع الأنظمة الأخرى و الذي يقودها و يشكل أصلاً لها؛ فكان أنْ قادت جميع الدراسات الدينيّة و الفكريّة إلى أنّ البرنامج الأمّ -إن جاز التعبير- هو البرنامج الرُوحي القائد لسائر الأنظمة الأخرى، بل أنّ البرنامج الرُوحي يمدّ سائر الأنظمة الأخرى بالحياة و السريان، فالبرنامج الروحي هو المستهدَف في البرمجة الحرفيّة، و علوم البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة هي بهذا الفهم جُملَة القوانين التي تُعِيد برمجة البرنامج الروحي تحديدا و الذي ينعكس على برمجة باقي البرامج الخاضعة و التابعة له، و من هنا كانت قوة هذه العلوم و مؤثريّتها الحتميّة على مَنْ يعمل بها سواء كان يُطبّق قوانينها على نفسه أو غيره، و من هنا كان أيضا سبب تسميتها (الروحيّة).
أمّا عن سبب تسميتها بالحرفيّة ففي ذلك بحور من العلوم و الفهوم، إلا أنّنا نقول في عُجَالة أنّ الحروف هي اللبِنَة الأساسية لكلّ أشكال الخَلْق و التكوين مِنْ حولنا، لاحظ كيف أنّ الله تعالى إذا أراد بإرادته الباطنة التكوين في الظاهر قال للشيء الذي أراده (كن) ” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ”، حتى أنّه في الرسالة العيسويّة أخبرنا الله جلّ و علا أنّه “في البدء كان الكلمة” و أنّ عيسى عليه السلام النبيّ الإنسان المُكوّن مِنْ لحمٍ و دمٍ إنّما هو كلمة الحق “إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ” و مَثَل عيسى كمَثل آدم و سائر الخَلْق، فحتى الإنسان هو كلمة الحقّ؛ و الكلمة حروف؛ و الحروف هي ظهور لإرادة الحقّ في التكوين.
و الأدلّة على عِظم الطاقة التكوينيّة للحرف كثيرةٌ جداً منها على سبيل المثال قوله تعالى “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ” كلمة طيبة -و التي هي بضعة حروف- لها قدرة تكوين نُوْرَانِي يمتد من الأرض للسماء، و كذا في قوله تعالى “وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ” كلمة خبيثة – و التي هي بضعة حروف- لها قدرة تكوين ظُلْمَانيٍّ لا متناهيٍ في التسفّل.
و عليه فإنّ أيّ مُكوَّن إنّما لا يُكوَّن إلا بالحرف، لاحظ كيف أنّ علوم البشرية كلها بُنيت على هذه الأحرف التي لم تتعدى الثلاثين، قليل من الحروف و لا تناهيٍ من التكوينات التي خَزَنَتْها هذه الحروف مِنْ علومٍ و أدبٍ و فلسفةٍ و حديثٍ و أخبارٍ و تاريخٍ، و لا خلاف على أنّ أشرَف و أكثر الحروف كنزا للطاقة و القدرة هي الحروف القرآنيّة، فالقرآن الكريم كلام الله القديم في ذاتِه الحادث على ألسِنَة البشر و مِنْ هذه الحقيقة كان علوّ رتبة أحرفه و شرفها، و بالتالي الاستمداد مِنْ طاقة الحرف القرآني هو أكثر الاستمدادات طاقة و قدرة، لاحظ برمجة المرض بالحرف القرآني في قوله تعالى “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ” فمِنْ أحرف القرآن ما هو مُبرمِج للمرض ينقله من حِياض اسم الله الضّار إلى حِياض اسم الله النافع، و كذا مؤثريّة الحرف في الرُقيَة الشرعيّة التي ما هي إلا حروف و كلمات تامّة نَيّرَة.
و مِنْ هذا الفهم لِكُنْه الحرف و طاقته و قدرته كانت علوم البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة (حرفيّة) ،و المُلاحظ أنّ البشريّة اعتمدت على أنظمة برمجة مختلفة و متشعّبة مِنْها أنظمة البرمجة التي تعتمد العدد أساساً لها؛ كالنظام الثنائي أو الأنظمة الستينيّة أو التسعينيّة و غيرها، و على الرغم من التباين الظاهريّ بين العدد و الحرف إلا أنّك ستتفاجأ بأنّ النظام العددي أصله نظام حرفي و هذا معروف لكل مَنْ درس العلوم الإدريسيّة الشريفة.
لاحظ كيف أنّ العدد (واحد) يتألف في بُنْيَتِه التكوينيّة مِنَ (الواو و الألف و الحاء و الدال)، و عليه فحتّى العلوم الرياضيّة الظاهرة بصورة العدد لها صورة حرفيّة هي أصلها، و كذا الأمر بالنسبة للأنظمة اللونيّة أو الهندسيّة و غيرها، و الغاية من هذا الكلام إيضاح أنّ الحرف أصل التكوين و الصورة الأصليّة لكلّ الظهورات الأخرى.
و حتى لا يعتقد البعض بأنّ حدود البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة تقف عند برمجة الإنسان فقط كانت تسميتها (الكونيّة) و في هذا نقطتان؛ الأولى أنّه لا تختلف الشرائع كلّها على أنّ الإنسان أعلى المخلوقات رُتْبَة و أكثرها جمعا للقدرات مِنْ خيالٍ و إبداعٍ وتكوينٍ و غيرها، لذا فالإنسان بحدّ ذاته هو كَوْنٌ من الأكوان، كَوْنٌ يجمع فيه كلّ تجلّيات الحقّ و أسمائه و صفاته، و هنا أذكر قول عليّ كرم الله وجهه “و فيك انطوى العالم الأكبر”؛ و الثانية أنّ قواعد و أسرار علوم البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة لا تنحصر في تطبيقها على البشر بل كلّ روحٍ قابلٍ أنْ يُبرمَج بالحرف و ما مِنْ مخلوقٍ إلا و بثّ الله تعالى فيه الروح، و عليه فإنّ الكون بكلّ ما يحويه مِنْ صور الخَلْق قابلٌ أن يُبَرمَج بحروف الله تعالى، و هنا نؤكّد على الجانب التسخيريّ القدرويّ الكونيّ الهائل الموجود في علوم البرمجة الحرفيّة الكونيّة الروحيّة “وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”؛ فتفكّر.

بقلم : من كتاب التعريف بالبرمجة الحرفية الكونية الروحية لمؤلفه سماحة علَّامة الديار الشامية الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حريب  حفظه الله تعالى .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى