والصلاة والسلام على رسول الهدى وإمام المتقين وآله وصحبه أجمعين
من الناس من تغلب عليهم طبيعة البخل طوال حياتهم ، حتى إذا يئسوا مـن الحياة وأقعدهم المرض المنذر بالموت ، أخذوا يتبرعون بمـقاديــر مــــــن أموالهم ، لعلمهم بأنها صائرة إلى غيرهم لا محالة ، ويكون بذلهم إما على سبيل الوصية ، وإما على سبيل العطاء المنجز .
وهذا تدارك حسن ، رغّب به الإسلام وحث عليه، إلا أن الأحـسن منه والأفضل عند الله تعالى ، أن يتصدق المسلم وهو صحيح الجسم واسـع الأمــــل بالحياة، تراوده مخاوف الفقر، وتطمع نفسه بالثراء الـــواسع ، أما بـذل المال عند اليأس من الحياة ، فهو بذل من مالٍ سيخرج من ملـــــكه حتماً ويدخل في ملك غيره، والعطاء عن طريق الوصية صدقة تصدق الله تعالى بها على عباده، فأعطاهم حق التصرف بحدود ثلث أموالهم فقط لغير الورثة المشمولون بقانون الفرائض و المواريث الشرعية ليكتب ذلك في صحائف أموالهم ، ولولا هذا العطاء الإلهي لكان تصرف الإنسان المضاف إلى ما بعد موته تصرفاً لا قيمة له ، لأنه تصرف مــن ملك من جعل الله عز وجل لهم حقوقاً في تركته ، فالإنسان متى مات انتهت ملكيته لأمواله وعاد الملك لمالك الملك جل وعلا، ويوزّع على المستحقيـن بالعطاء الإلهي حسب التقسيمات التي فرضها الله تعالى.
ومن أجل ذلك يعتبر عطاء الإنسان في حالة اليأس من الحياة ، أو عطاؤه المضاف إلى ما بعد الموت ، عطاءً ضعيف القيمة بالنسبة إلى العطاء في حالة الصحة والقوة .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رجل : يا رسول الله ، أي الصدقة أعظم أجراً ، قال (( أن تصدق وأنــــت صحــيح شحــيح ، تخشى الفقر ، وتأمل الغنى ، ولا تهمل ، حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلانٍ كذا ، و لفلان كذا ، وقد كان لفلان )) .
وقد كان لفلان : أي إن المال صائر حتماً بعد موت الموصي لفلانٍ ما ، سواء أكان لمن يأخذه على سبيل الصدقة، أو لمن يأخذ على سبيل الميراث ، فكأن الموصي يتصدق من مال غيره .
ولكن ليس معنى هذا لا قيمة للصدقة على سبيل الوصية، إنما الغرض بيان أفضلية الصدقة المنجزة، حينما يكون الإنسان صحيحاً في جسمه شحيحاً بماله ، يخشى الفقر والحاجة ، ويأمل الغنى لما تبقى من عمره .
وروى أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( مثل الذي يتصدق عند موته أو يعتق كالذي يهدي إذا شبع )) .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين