اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاة بسملة نستفتح بها الروح الجديد, وصلاة بشرى نستبشر بها الخبر السعيد, وصلاة شفاء تشفي بها صدور العبيد, وصلاة فرح وسرور تكون لنا به أجمل عيد, وعلى آله وصحبه أجمعين ومحبيه إلى اليوم الغير بعيد
اجتمعت حاوية عربية مع حاوية أجنبية في المؤتمر العالمي مائتان وثلاث وعشرون لحاويات العالم والذي شاركت به مجموعة كبيرة من المنظمات العالمية و الهيئات الدولية التي تعتني بشؤون الحاويات, و تميز بمشاركة حاويات ذات صيت عالمي كبير, لها مواقف مشهود لها في تحسين مكانة الحاوية في العالم .
والجميل في هذا المؤتمر أنه وأخيراً وللمرة الأولى شهدنا مشاركة حاويات من العالم العربي في هذا المؤتمر العالمي .
أثناء الاستراحة بين المحاضرات, وبينما كانت الحاويات تتناول القهوة والشاي, التقت حاويتنا بالحاوية الأجنبية وقالت لها :
الحاوية العربية : صباح الخير .
الحاوية الأجنبية : صباح الفل والنظافة والمتانة والريحان .
الحاوية العربية : واااو كل هذا صباحك حلو .
الحاوية الأجنبية : طبعاً, لأننا حيث نحن يكون صباحنا هكذا, فما أن تكون الساعة الخامسة صباحاً حتى يأتي عامل النظافة الوسيم, ويحملني بين يديه وكأنه يراقص حبيبته رقصة فالس أو تانغو, فيفرغ ما في جعبتي من أكياس محكمة الربط, ثم يرمقني بنظرة حب وشوق ليرى كم هو قلبي نظيف, ثم يعيدني إلى حيث كنت أجلس برفق ورومانسية الأمير الفارس ويلوح إلي مبتعداً, وأنا كلي ثقة أنه يوماً ما لن يستطيع أن يفارقني حتى يقبلني .
الحاوية العربية : وقد جن جنونها, فحبيبها يتركها مع الحاويات الأرامل أياماً وأسابيع, وإذا جاء فيكون مستعجلاً جداً, لا يملك وقتاً لا للرقص ولا للفقس, يشدها شداً قوياً فيخلع كتفها, ويهزها هزاً فتتقيأ ما كان بها, حتى أنه لا يكتفي بهذا, بل يرميها رمية تتأوه من ورائها مقرقعة, ويبقى أثر هذه اللحظات عليها طعجة أو قحطة أو عرجة, ثم يتركها وهو ساخط على الساعة التي عمل بها ….
ولكنها تمالكت نفسها ورسمت على وجهها بجانب عبارة ” حافظ على نظافة مدينتك ” ابتسامة مصطنعة وسألت :
واااو, شيء جميل هذا الذي تقولينه, فمن أين أنت يا عزيزتي الحاوية ؟
الحاوية الأجنبية : ها ها ها, أعلم أنك تأتين إلى هنا للمرة الأولى, وأنك لا تعرفين بعد قوانين الحاويات العالمي, فنحن هنا لا نعترف بالبلدان والحدود والأقاليم, فلا نميز بين حاوية فرنسية أو حاوية أمريكية …الخ, فالكل يجمعه شيء واحد هو أننا حاويات, ولا أعلم متى ستتوصلون أنتم الحاويات في الوطن العربي إلى هذا المستوى من الإنتماء الذاتي .
أوجست الحاوية العربية في نفسها شيء من الحذر, فمن المؤكد أن هذه الحاوية الأجنبية هي حاوية في وزارة ما ..؟ أو في الحزب, أو حاوية في البلدية, فمثل هذا الكلام لا تتفوه به الحاويات عندنا, ولكنها استغربت, فللمرة الأولى ترى هذا الكلام على متكلم يبدو عليه فعلاً ما يقوله .
الحاوية العربية : ومادمتم أصحاب انتماء ذاتي كما أسميتيه, فلماذا لا تحسبوننا معكم, ولا تسمّوننا حاويات الوطن العربي .
الحاوية الأجنبية : على ما يبدو أنك لم تتطلعي على برنامج المؤتمر, ليس نحن يا عزيزتي بل أنتم من لا تعترفون بالانتماء الذاتي .
الحاوية العربية : ولماذا ؟
الحاوية الأجنبية : لأنك بالانتماء الذاتي لن تكوني مجرد حاوية, بل ستكوني عنصر فعال له دوره ووظيفته المحددة في المجتمع, وسيحترمك الجميع, حتى برميهم للقمامة فيك, أو بجمعها منك .
أثرت هذه الكلمات في الحاوية العربية, فهي للمرة الأولى تسمع مصطلحات مثل : احترام, وللمرة الأولى تتفعل الفطرة فيها فتشعر بالفرق بين المزبلة والحاوية, وبين الزبال وعامل النظافة و …., وهنا قاطعت أفكارها الحاوية الأجنبية متابعة :
لأن الفرق كبير بين أن تكوني مَعلَم ورمز للنظافة وبين أن تكوني …., آسفة .
الحاوية العربية : وقد ثارت ثائرتها, واعتزت بوطنيتها وانتمائها القومي الذي تعلمته مما رمي فيها من كتب المدارس الممزقة, وأوراق الاجتماعات السياسية, وكتيبات الأهداف والقيم, والجرائد الرسمية والغير رسمية التي كانت تتسلى بقراءتها منتظرة حبيبها الغائب, وقالت بحمية :
يا عزيزتي إن انتصارنا عليكم هو الذي يدفعكم للمحاولة إلى ابتلاعنا, وإغرائنا برفاهية العيش الرغيد, لا وألف لااااااااااا, كلا وألف كلاااااااااااا, إن المكانة الاستراتيجية للحاوية العربية يكمن في تعدد أدوارها وواجباتها القومية تجاه مواطنيها, فالحاوية العربية متعددة الوظائف, تارة هي مطعم يأكل منها الشعب, وتارة هي صندوق مجوهرات يلتقط منها المنقبون عن الذهب والألماس وعبوات المشروبات الغازية والقوارير البلاستيكية, وتارة هي حائط يعبر بها الشعب بحرية عن آرائه فيحفرون بالحديد على ما بقي من طلائها عبارات الحب والسّب والشتم بكل حرية ودونما أدنى قيد, وتارة هي مصدر للروائح يعلم الشعب نعمة الهواء النظيف, وتارة هي لوحة فن تشكيلي تفوق روعته روعة لوحات فان جوخ أو بيكاسو, حتى أن رواد الفن الطبيعي لم يصل خيالهم إلى رسم اللوحات التي يرسمها الشعب بـ أو على الحاويات, وتارة هي شرطي مرور ينبه السيارات التي تصطدم بها متفاجئة أن السائق لازم يتوقع حاوية في أي مكان وفي أي لحظة, وتارة هي ملعب للأطفال يختبئون وراءها وهم يلعبون الغميضة, وتارة هي نقطة علّام يتم به تعيين عنوان ما, ثم إنكم تحملون علينا التفرقة وأنتم من يفرقون بين القمامة, فهذا بلاستيك وهذا عضوي وهذا معدني, تعلموا منا الوحدة, حاوية واحدة زبالة واحدة, وهذا من حرصنا على راحة المواطن, فالمواطن لدينا غير متفرغ لأمر القمامة ( مو فاضي ياكل همّ الزبالة ), يكفيه ما يأكله اليوم كله, مواطننا مشغول بقضايا إقليمية واستراتيجية, مشغول بمواجهة المخططات والمؤامرات والدسائس, حتى أننا هذه الأيام أضفنا مهمة جديدة للحاوية العربية, فهي درع واقي من رصاص العصابات, وأداة حماية للمتظاهرين, وأحياناً … صدقيني تكون الحاوية هي الشعار الذي يدفعه المتظاهر .
الحاوية الأجنبية : جميل جداً, فبماذا كوفئت الحاويات العربية ؟
الحاوية العربية : نحن الحاويات العربية لا ننتظر مكافأة, يكفينا فخراً أداء الواجب الوطني, ثم إننا نكافأ هذه الأيام بما لا يمكن أن تكافؤوا عليه أنتم الحاويات الأجنبية .
الحاوية الأجنبية مستغربة !!!
ففي بعض البلدان العربية, صارت الحاوية رمزاً للحرية و مكاناً لرمي الصور البالية و الشعارات المهترئة .
ابتسمت الحاوية الأجنبية, وانسحبت بكل احترام من أمام هذا الخطاب السياسي عالي الشأن ! .
ولكن الحاوية العربية ورغم النصر الساحق ورغم انسحاب القوات الغاشمة أطرقت في الأرض, وسالت دمعة من عينها, فهي تعلم أن كل ما قالته هو واقع مرير, ولا يجب أن يكون, وأنه من كل ما قالته هي لا تفتخر فعلاً إلا بشيء واحد, وواحد فقط ( !!!!! ) .