والصلاة والسلام على خير من دعا إلى الله وإلى صراطه المستقيم سيدي وحبيبي محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد , فإن الدعوة لله تعالى فن له أصول وله ذوقياته , وعلى الداعي أن تكون له الخبرة الكافية في معرفة قلوب الناس ليعرف من يستحق أن يُدعى ومن لا يستحق وكيف يدعو من يقبل الدعوة وكيف يعرض عمن لا يقبلها , فليست الدعوة تسويق تجاري يجب أن نحقق بها أكبر عدد من الزبائن , ولا هي تحدي يجب أن نربحه بإدخال أكبر عدد ممكن من الناس إلى سبيل الإسلام وقد قال الغزالي في ذلك :“الوعظ زكاة نصابه الإتعاظ ” , ولما غفل دعاة اليوم عن هذه الحقائق وقعوا في أخطاء عدة , ووضعوا أنفسهم والدعوة في مواقف لا يجوز أن توضع فيها الدعوة , وأحد أكبر الأخطاء والتي أفقدت دعاة اليوم هيبتهم ومكانتهم هو فهم الناس الخاطئ لقضية الأجر .
والخطأ فادح لدرجة أن 89 % اليوم من الناس تقريبا يقعون في نفس الخطأ نتيجة الجهل بهذه القضية وربما تكون انت منهم .
فلو سألتك مثلاً هل من مواصفات الداعية الصادق أن يأخذ أجراً على دعوته ؟
فستقول لي لا , وإنما دعوته إلى الله تعالى إنما هي لوجهه سبحانه , أو ما شابه من هذا الكلام النظري الذي يبدو جميلاً وسامياً وراقياً وما شئت من أوصاف مرضيٌّ عنها اجتماعيا , ولكن دعني أقول قف , فالجميل ما جمله الشرع وإن استنكره العرف والقبيح ما قبحه الشرع وإن استحلاه العرف. فلنترك ما توارثناه من خرافات و خزعبلات وللنظر إلى الشرع ماذا قال , فإن لم تفعل ذلك فأنت ومن اختاروا ترك الرسائل السماوية واختاروا أن يتبعوا ما ورثوه من أصنام وآلهة الآباء واحد , فماذا قال الشرع عن ذلك :
الجواب : في الاستثناء الموجود في الآية 57 من سورة الفرقان , هذه الآية التي تفرق بين من يطبق الشريعة عبادة لله تعالى وبين من يطبقها رياء وطلباً لمرضاة الناس والسمعة الطيبة بينهم , عزيزي القارئ إنها تقول :
وفي الآية الثانية تصريح للداعي إلى صراط الله تعالى بعدم أخذ الأجر على دعوته من اعداء الدين , وهذا شطر الشرع , فلماذا ترك البعض الشرع وأخذ بشطره , ألم يقل المولى عز وجل في سورة البقرة :
هناك حالتين للداعية : إن أخذ المال يكون ممن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فيكون ماله مقابلاً للدعوة فلا تثبت عليه المنة ويزول الحرج بين الداعي والمدعو , فهذا أعطاه العلم وذاك أعطاه المال , فاكتمل طواف النور بينهما .
أما من لم يشأ أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فلا يؤخذ منه , لتثبت المنة عليه , وتكون حجة عليه لا له , ولا تتاح له الفرصة ليعتقد أنه اشترى الدعوة بماله , ولا يطال أهل الله تعالى بدعوى إنفاق المال عليهم إذا هو نكث أو انسحب من مجالسهم , فبانسحابه كان ممنوناً عليه وما كان بمانّاً على أحد.