مجلة كلمة الله تعالى

(الأصفر – بقلم : الدكتورة رفيف صفاف – العدد (49

hanibalharbmag-49.1

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلي على حبيبي و جدّي محمّد سيد العالمين و أكمل البشر و آله و صحبه و سلم تسليما مطلقا

بإشراقة الأرض بنور ربها أبصرَت المخلوقات الأنوار الملونة من حولها و شهدت الصور ،و تأملت إبداع الكون بألوانه الأخاذة الذي تجلى عن البديع الله بكل معاني الجمال فشاء الله تعالى أن يكون كونه ملونا…

سنكون إن شاء الله تعالى في سلسلة قصيرة نستعرض فيها الألوان في الأكوان.

 

اللون الأصفر في الموروث الفكري الشعبي :

* ارتبط اللون الأصفر بمعنى النشاط و التهيؤ إذا كان لونه قريب للأبيض،و دلّ على معنى السرور لأن من أهم خصائصه اللمعان و الإشعاع.

* واللون الأصفر كعالَم جميل هو لون الذهب و الشمس،و “الصفر” هو النحاس الأصفر ،و قالت العرب “الصفراء و البيضاء” أي الذهب و الفضة،و “الصُفرة” تعني الطيب المصنوع من زعفران،وفي هذا يقال “أهلكَ النساء الأصفران” و يقصد به غرام النساء باللون الأصفر من كونه لون الذهب و الزعفران،و يقال “أرض صفراء” إذا امتزج ترابها بالرمل.

واللون الأصفر كعالَم جليل فإنه يشير إلى لون المرض،و يقال “ضحكة صفراء” إذا كانت ممزوجة بالحقد،و يقال “عين صفراء” إذا كانت حاسدة.

*و قد كان المصريون القدماء يشيرون باللون الأصفر إلى رع آلهة الشمس المقدس عندهم والعياذ بالله ، وكتب أرسطو “الألوان البسيطة هي ألوان عناصر الوجود النار و الهواء و الماء و التراب ” و كان يقصد اللون الأصفر لوناً للتراب، و في القرن العاشر كانت فرنسا تطلي أبواب اللصوص بالأصفر كعلامة تحذير منهم، و اللون الأصفر و الذهبي لون مفضل في الصين و الهند و اتخذه البراهمة لوناً مقدساً و كان لوناً مفضلاً لدى البوذيين، أما في الموروث المسيحي فإنهم اعتبروه كذلك و الذهبي لوناً مقدساً و لونوا به أيقوناتهم.

إلا أن اللون الأصفر في الموروث الإسلامي ورد أحياناً بدلالته على ألوان أخرى مثل أن يدل على السواد أو على لون أدنى بقليل من الأحمر،و جاء أن العباسيين أغرموا باللون الأصفر فكانوا يلونون طعامهم و ثيابهم بالزعفران و العصفر.

 اللون الأصفر في الموروث الروحي الإسلامي:

ترى ماذا أراد الله تعالى من معنى الصفار في قرآنه الكريم ،لنستعرض سوية بعضا من دلالات اللون الأصفر:

قال حبيبي عز و جل من قائل :

بسم الله الرحمن الرحيم

* {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة : 69]

من أهم خصائص اللون الأصفر الفاقع قدرته على بث ذبذبات السعادة و السرور،و استفاد المعالجون من هذه الخصيصة في علاج أمراض الحزن و الك Dir=”rtl” آبة.

* {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} [الروم : 51]

*{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب} [الزمر : 21]

و في الآيتين الكريمتين إشارة إلى مرض النبات و موته من خلال وصفه بالاصفرار و هذا من أوجه الجلال في اللون الأصفر و هنا تكون درجة الاصفرار باهتة على عكس اللون الأصفر الفاقع الذي يجلب رقائق السرور و السعادة.

 و ورد اللون الأصفر في السنّة الشريفة، فجاء في أحاديث الرسول عليه أتم الصلاة وأتم التسليم والآل:

*جاء في المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني عن عمران بن بشر الحضرمي ، قال : ” رأيت عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنه وعليه عمامة صفراء ورداء أصفر ” .

في السنة الشريفة ورد لبس الرداء الأصفر و الاعتمام به، على أن ننتبه إلى أن الرسول عليه الصلاة و السلام والآل نهى عن اللون المعصفر في لباس الرجال ( والمعصفر هو لون مادة العصفر حيث يتداخل البرتقالي مع الأحمر والأصفر معا .. )

و أباحه في لباس النساء،و فيه جاء:

*جاء في السنن الكبرى للبيهقي: أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : رأى عليَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين , فقال : ” إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها “.

أما في سنة الخضاب الأصفر فنجد:

*أنه جاء في السنن الكبرى للنسائي: عن ابن عمر قال : ” كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبس النعال السبتية ، ويصفّر لحيته بالورس والزعفران ، وكان ابن عمر يفعل ذلك ” .

وكذا فعل الكثير من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، و ( الورس نبات أصفر يصبغ به ) .

*و ورد في المستدرك على الصحيحين للحاكم عن أبي عبد الله القرشي ، قال : دخل عبد الله بن عمر على عبد الله بن عمرو ، وقد سود لحيته ، فقال عبد الله بن عمر : السلام عليك أيها الشويب ، فقال له ابن عمرو : أما تعرفني يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : بلى أعرفك شيخا ، فأنت اليوم شاب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ” الصفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم ، والسواد خضاب الكافر “.

فمن السنّة الشريفة تخضيب اللحى بالحمرة و الصفرة و هذا الحديث الشريف يوضح لنا أن التخضيب بالأصفر أعلى درجة منه في الأحمر لأنه خضاب المؤمن ،و على الأغلب أن الخضاب الأصفر هو من نبات الورس الأصفر و الزعفران،و في نفس المعنى نجد حديث آخر شريف عن الحكم بن عمرو الغفاري :

*جاء في مسند أحمد بن حنبل : عن الحكم بن عمرو الغفاري ، قال : دخلت أنا وأخي رافع بن عمرو على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، وأنا مخضوب بالحناء ، وأخي مخضوب بالصفرة ، فقال لي عمر بن الخطاب : ” هذا خضاب الإسلام ” ، وقال لأخي رافع : ” هذا خضاب الإيمان ” .

و الصُفرة التي هي زينة من زعفران هي من سنن زينة النساء،و في هذا جاء:

*في صحيح البخاري: عن محمد بن سيرين ، قال : توفي ابن لأم عطية رضي الله تعالى عنها ، فلما كان اليوم الثالث دعت بصفرة ، فتمسحت به ، وقالت : ” نهينا أن نحد أكثر من ثلاث إلا بزوج ” *

و الصفرة هي عطر و طيب مركب يتخذ من الزعفران و غيره،إلا أنه مذموم للرجال لحديث النبي عليه الصلاة و السلام والآل :

و جاء في المعجم الأوسط للطبراني : أن رجلا ، أراد أن يبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأبصره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه أثر صفرة ( عطر مركب من الزعفران يظهر لونه وهو محرم على الرجال استثناءا من العطور وذلك لأن الفقه يعتبر هذا الحال من التشبه بالنساء .. لا لأن اللون الأصفر محرم )

، فأبى أن يبايعه ، وقال : ” طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه” جعل الله تعالى قلوبكم قلوبا ذهبية صفراء مشعة حباً و جمالاً و مملوءة سعادة و سروراً

و الحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى