مجلة كلمة الله تعالى

(حقيقة وجود الكائنات الفضائية (2) – بقلم : الدكتورة منى حمادي – العدد (69

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيبي خاتم الأنبياء وأكرم أهل الأرض والسماء , صلاة تملأ شمسها جميع الكائنات وتعطر بطيب أريجها سائر الموجودات سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 تم نشر الجزء الأول من هذه المقالة في العدد السابق

 2 – حياة خارج كوكب الأرض :

لقد جعل الله تعالى خصيصة الحياة هي أولى خصائص الروح لدقة أولويتها وتفردها, و لا تكون حياة في مكان أو زمان بدون مخلوقات حية تكون شاهداً على حقيقة الحياة بغض النظر عن طبيعة وماهية هذه المخلوقات .

وبقدر وجود حَيَوات في كوكب الأرض , فإن للحياة تنوع أكثر خارج الأرض .. فلنتابع بعض دلائل وجود هذا التنوع في القرآن الكريم :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ) الشورى29 وهذا دليل على وجود الدواب على اختلاف أنواعها خارج كوكب الأرض , فقوله تعالى ( بالبث ) إنما هو دليل انتشار كبير ليس كغيره من الخلق والإيجادات , ولعل أشهر الدواب هو ( البراق ) وهو دابّة من دواب السماء السابعة والذي نقل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى السماوات في رحلة الإسراء والمعراج , و( حصان النار) الذي ارتقى بسيدنا إدريس عليه السلام إلى السماء الرابعة , ولعل البيان الأهم هو قدرة رب العالمين على جمع دواب السماوات والأرض , بمطلق قدرته ومشيئته , ولايخفى ما لهذا الجمع من قدرة إعجازية تفوق قوة وقدرة الخيال الإنساني .

ولكن ما هو دليل وجود أنواع أخرى من الحياة ؟

إن وجود الحياة المائية هي أبرز دلائل وجود الحياة في الكون بأكمله لقوله تعالى ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) .

أما النوع الآخر للحياة خارج الأرض فنجده في قوله عز وجل : ( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ) النمل25

فإخراج الخبء الذي في السموات إنما هو خبء يوازي خبء الأرض معنى ويخالفه طبيعة ( ذلك أن الواو تفيد الجمع مع المغايرة ) , وماكان ذِكر النبات في السماوات ( إخراجاً فيها وليس إنزالاً منها ) إلا دليلاً لوجود حياة نباتية يستفيد منها آخرون ..

فإذا علمنا أن وجود الأنبياء في السموات منذ آلاف السنين لا يقتضي إخبارنا بوجود حياة نباتية لأجلهم ..

وإذا علمنا أن الملائكة لا تأكل ولا تشرب حسب الطبيعة التي خلقهم عليها رب العالمين .. وبما أن النبات يستحيل وجوده عبثاً , فلا يبقَ باعتقادنا إلا فكرة إخراج النبات لأجل الدواب , ولكن أليست الدواب مخلوقات مذَللة ومُسَخَرة باختلاف إمكانيات التسخير و بتقرير رب العالمين ( وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ) , فهذا دليل آخر على وجود حياة لكائنات عاقلة تستفيد من هذه الدواب وتعي معنى هذا التذليل !

إذاً ففي السموات حياة كاملة ومتنوعة وفيها الفهم والوعي و الجاهزيّة لتخضع لتسخيرنا بالأمر والإذن الإلهي .. إلا أن هذا التسخير لا يكون إلا بالعلم .

وكما أسلفنا سابقاً أن ملك السماوات والأرض بتنوع الحياة فيهما و بقدرة الله تعالى على خلق ما يشاء ينسحب على كل ما بين السماوات والأرض بمصداق قوله تعالى :

( وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) المائدة17

وإن تنوع الأحياء يرتبط بتنوع الطبيعة التي يٌخلَقون منها , وقد جاء في الذكر الحكيم :

بسم الله الرحمن الرحيم: ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) النور45

( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) آل عمران59

فالدواب مخلوقات مائية , والآدميون مخلوقات ترابية , والملائكة مخلوقات نورانية , والجان مخلوقات نارية .. هذه طبيعة المخلوقات التي نعلمها ( كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ) المعارج39

وقد قال تعالى : ( يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فلا بد أن نكون على يقين كامل أن الله تعالى هو القادر على خلق مخلوقات من عناصر أخرى ( كالمعدن , والهواء , و.. إلى ما هنالك من عناصر كونيّة مما نعلمه ولا نعلمه .. ويستحيل أن تنحصر مخلوقاته بالعناصر التي نعرفها فهو القادر على كل شيء ومبدع كل شيء ( وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) , فكلما تعرفنا على العوالم الفضائية التي نتجاهلها كلما ازدادات معرفتنا عن طبيعة الأحياء والعوالم فيها .

والسؤال الآن : مامدى تعلق هذه المخلوقات بالله سبحانه وتعالى ؟

بسم الله الرحمن الرحيم : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) مريم 65

( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ) مريم93

وحيث أن العلاقة بين الربوبيّة والعبوديّة هي (علاقة تضايف) , فحيث ذُكِرَ الرب فهو حتمية وجود مربوبين يربهم وهم عباد له .. والأكثر من ذلك أن كل مَن في السموات والأرض وما بينهما متواصلين مع رب العالمين بصلة خاصة ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) النحل49

( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) الرعد15

إذ تظهر خصوصية السجود لله تعالى من كل ما في السموات ومَن فيهن من مخلوقات ودواب وملائكة , وتظهر أيضاَ خصوصية التسبيح ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) الإسراء44

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ) النور41

وفي هذه النقطة يقول سماحة المفكر الإسلامي ( د. هانيبال يوسف حرب) حفظه الله تعالى :

” وإن من شيء إلا يسبح بحمده : ولا يسبح إلا مستعبَد؟ وكل مستعبَد يعرف من استعبده , ولابد من أن يعرف صيغة التسبيح ولكن ( لاتفقهون تسبيحهم )“ .

إذن فإن كل مَن في السموات والأرض وما فيهن وما بينهن عابدون مسبّحون ساجدون قانتون ومسلمون لله تعالى منقادون لأمره ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) آل عمران83

( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) الروم26

( وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) البقرة116 , و لا تقتصر صلتهم بالرب على السجود والتسبيح وإنما سؤاله بالدعاء أو الطلب وكل ما يتناوله معنى السؤال :

( يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) الرحمن29

وبرغم كل هذه الدلائل الواضحة والجازمة بوجود هذه المخلوقات التي ( اصطُلِح ) على تسميتها بالفضائية ومدى فاعليتهم وتفاعلهم الوجودي لايزال هناك مَن يشكك بوجودهم إعراضاً عن آيات الله تعالى : ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ) المؤمنون71

يتبع إن شاء الله تعالى …….

 

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

الحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى