بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلِّ على سيدنا محمد إمام الأولياء وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
إن لصحبة الصالحين أثر كبير في صلاح النفوس, والإطلاع على سيَرهم وحياتهم وحكمهم لَهُوَ موعظة وشحذ للهمم حتى نصل إلى المولى عز وجل بقلب سليم, سنتحدث اليوم عن الشيخ الجليل حبيب العجمي .
حبيب العجمي 119 للهجرة
حبيب بن عيسى بن محمد العجمي، أبو محمد- وقيل- أبو مسلم الفارسي أصلاً، ثم البصري سكناً, كان عابداً زاهداً مجاب الدعوة.
لقي الحسن وابن سيرين، وروى عنهما، مات سنة تسع عشرة ومائة، كما أفاده ابن الجوزي في “المنتظم” .
من كلامه: إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز، ولو أن الله تعالى دعاني – يوم القيامة فقال :” يا حبيب !” فقلت : “لبيك”، فقال: “جئني بصلاة يوم، أوركعة، أو سجدة، أو تسبيحة، أبقيت عليها من أبليس، أو يكون طعن فيها طعنة فأفسدها “، ما استطعت أن أقول: ” نعم! أي وربي ” .
وكان يخلو في البيت، فيقول : ” من لم تقر عينه بك فلا قرت, ومن لم يأنس بك فلا أَنِس ” .
وكان في اول أمره تاجراً فمر بصبيان، فقالوا : ” قد جاء آكل الربا “, فنكس رأسه وقال : ” يا رب، أفشيت سري للصبيان “, فرجع فلبس مدرعة من شعر، وغلَ يده، ووضع ماله بين يديه، وجعل يقول : ” يا رب إني أشتري نفسي منك بهذا المال، فأعتقني”, فلما أصبح تصدق به، وأخذ في العبادة، فلم يُر إلا صائماً، أوقائماً، أو ذاكراً.
فمر ذات يوم بأولئك الصبيان، فقالوا : ” اسكتوا! قد جاء حبيب العابد! “، فبكى وقال : ” يا رب أنت تذم مرة، وتحمد مرة، فكل من عندك ” .
وقال عبد الواحد بن زيد : ” كنا عند مالك ابن دينار، ومعنا محمد بن واسع وحبيب، فجاء رجل فكلّم مالكا فأغلظ عليه قسمة قسمها، وقال : ” وضعتها في غير حقها! وتتبعت بها أهل مجلسك، ومن يغشاك، لتكبر غاشيتك، وتصرف وجوه الناس إليك ” .
فبكى مالك، وقال : ” والله ما أردت هذا ” ، قال :” بلى! والله لقد أردته “, فجعل مالك يبكي، والرجل يغلظ عليه، فلما كبر ذلك عليهم، رفع حبيب يده إلى السماء ثم قال : ” اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك، فأرجنا منه كيف شئت “، قال: ” فسقط – والله – الرجل على وجهه ميتاً، فحمل إلى أهله على السرير “.
وعن أبي إسحاق، قال: سمعت مسلماً يقول : ” أتى رجل حبيباً، فقال: إن لي عليك ثلثمائة درهم “، قال حبيب : ” اذهب إلى غد” فلما كان من الليل توضأ وصلى وقال : ” اللهم! إن كان صادقاً فأد إليه، وإن كان كاذباً فأبتلهِ في بدنه ” ، قال: فجيء بالرجل من غد، قد حُمِل وضرب شقة الفالج، فقال: ما لكَ ؟ قال : أنا الذي جئتك بالأمس، لم يكن لي عليك شيء، وإنما قلت : تستحي من الناس فتعطيني، فقال له : تعود ؟ قال: لا, قال : اللهم إن كان صادقاً، فألبسه العافية, فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شيء .
وقيل لحبيب : ” ما بالك لا تضحك، وتجالس الناس، ولا تراك أبداً إلا محزوناً “، فقال : ” أحزنني شيئان : وقت أوضع في لحدي وينصرف الناس عني، فأبقى تحت الثرى، مرتهناً بعملي, ويوم القيامة إذا أنصرف الناس عن حوضه عليه السلام، فأنه بلغني أنه يلقى الرجُل الرجلَ في عرضة القيامة، فيقول له: أشربت من الحوض فيقول: لا، فيقول : واحسرتاه, فأي حسرة أشد من هذا ” .
وقيل له في مرض الموت :” ما هذا الجزع الذي ما كنا نعرفه منك “، فقال : ” سفري بعيد، بلا زاد! ويُترك بي في حفرة من الأرض موحشة بلا مؤنس ! وأقدم على ملك جبار، قد قدم إلى العذر ” .
ويروى أنه جزع جزعاً شديداً عند الموت، فجعل يقول : ” أريد سفراً ما سافرته قط، أريد أن أسلك طريقاً ما سلكته قط, أريد أن أزور سيداً ومولى ما رأيته قط، أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط, أريد أن أدخل تحت التراب، وأبقى تحته إلى يوم القيامة، ثم أقف بين يدي الله تعالى، وأخاف أن يقول لي: يا حبيب، هات تسبيحة واحدة، سبحتني في ستين سنة، لم يظفر الشيطان منها بشيء فماذا أقول وليس لي حيلة, أقول : يا رب, هو ذا أنا قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي”، فهذا رجل عبد الله ستين عاماً، ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط . فكيف حالنا !