مجلة كلمة الله تعالى

(الأحمر – بقلم : الدكتورة رفيف صفاف – العدد (51

hanibalharbmag-51.1

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على حبيبي و جدّي محمد سيد العالمين و أكمل البشر و آله و صحبه و سلم تسليماً مطلقاً

 

بإشراقة الأرض بنور ربها أبصرَت المخلوقات الأنوار الملونة من حولها و شهدت الصور، و تأملت إبداع الكون بألوانه الأخاذة الذي تجلى عن البديع الله تعالى بكل معاني الجمال فشاء الله عز وجل أن يكون كونه ملوناً …

سنكون إن شاء الله تعالى في سلسلة قصيرة نستعرض فيها لكم بعض أسرار اللوان الأحمر الموجود في الأكوان .

اللون الأحمر في الموروث الفكري الشعبي :

اللون الأحمر : هو لون الحرارة و عوالم النفس و الهوى، و ارتبط بالإثارة و الإغراء و كل أنواع الشهوات، كما أنه لغة ارتبط بالمشقة و الشدة لإرتباطه بلون الدم و لون النار .

و قالت العرب (الموت الأحمر) أي الشديد، و (حمراء الظهيرة) أي شدة الحر، و (حمراء النعم ) أي كرائمها ، و يرد أحياناً للدلالة على الصحة كقولك : رأيته محمّر الوجنتين، و يقال : الحرية الحمراء .. أي التي أخذت بالدم و المعارك، و يقال في العامية : أظهر له العين الحمراء .. أي هدده و توعده، (و الشمع الأحمر) دلالة على إغلاق مكان من جهة رسمية، و يفرش السجاد الأحمر لاستقبال الشخصيات الهامة .

و اللون الأحمر يثير روح الهجوم و الشجاعة و الافتتان و يرفع من حرارة الجسم كما أنه من الألوان المغرية في الطعام .

و يرمز اللون الأحمر في كثير من الديانات الغربية إلى الاستشهاد في سبيل مبدأ ما، و ارتبط في كثير من الأحيان بلون جهنم .

اللون الأحمر في الموروث الروحي الإسلامي :

لم يرد اللون الأحمر في القرآن الكريم إلا مرة واحدة بمعنى وصفي حيث :

قال حبيبي عز و جل من قائل :

بسم الله الرحمن الرحيم

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } فاطر 27

و ورد اللون الأحمر في السنّة الشريفة فجاء في كثير من أحاديث الرسول عليه أتم الصلاة و التسليم والآل ، نستعرض منها :

ما جاء في اللون الأحمر من عالَم جميل :

* ورد في صحيح مسلم في وصف عيسى عليه السلام في معجزة الإسراء المعراج : “ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس ” .

و البياض المشوب بحمرة من معايير الجمال لدى الكثير من الشعوب .

* أما في لبس اللون الأحمر : فقد جاء في السنن الكبرى للبيهقي عن جابر : ” أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة ” .

على أن هذا اللون الأحمر هو الأحمر الخالص البعيد عن الأحمر المعصفر ( كما رأينا سابقاً أن المعصفر لون مزيج بين الأحمر و الأصفر و البرتقالي منهي عنه للرجال ) .

* ورد في المطالب العالية لابن حجر العسقلاني : عن سعد الطائي قال : حدثت أن العرش ياقوتة حمراء .

كما جاء في نفس المؤلَف : عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ” المتحابون على عمود من ياقوتة حمراء ، مشرفين على أهل الدنيا ، ……” إلى آخر الحديث .

فقد ورد في وصف الجنة مكونات من الياقوت الأحمر بالإضافة لأحجار أخرى كالزبرجد الأخضر و غيرها، كما جاء ” وتصعد الحور العين إلى الغرف من زبرجدة خضراء، أو ياقوتة حمراء “، و جاء في وصفهن كذلك ” لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء موشحة بالدر ” .

و اللون الأحمر للناقة من الألوان المحمودة فقد جاء فيها :

جاء في السنن الكبرى للنسائي : حدثني رجل، من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ناقة حمراء مخضرمة فقال : ” أتدرون أي يوم يومكم هذا ؟ ” قلنا : يوم النحر ، قال : ” صدقتم …” إلى آخر الحديث .

و جاء في صحيح مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بوادي الأزرق، فقال : ” أي واد هذا ؟ ” فقالوا : هذا وادي الأزرق، قال : ” كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطا من الثنية، وله جؤار إلى الله بالتلبية “، ثم أتى على ثنية هرشى، فقال : ” أي ثنية هذه ؟ ” قالوا : ثنية هرشى ، قال : ” كأني أنظر إلى يونس بن متــّى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف, خطام ناقته خلبة وهو يلبي ” .

و أما ما جاء في اللون الأحمر من عالَم جليل :

فقد دلت الريح الحمراء على معاني الدمار و العذاب، و فيها جاء :

في المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني :عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أراه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ” لا تقوم الساعة حتى يبعث الله ريحاً حمراء من اليمن فيكفت الله بها كل من يؤمن بالله واليوم الآخر ..”

و أن اللون الأحمر مما حـُــبب لعالم الشياطين :

أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن رجل، من الأشعريين، عن رجل، من أهل الشام يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ” لا يبيتن الرجل وحده في البيت، وعليه مجاسد، فإن إبليس أسرع شيء إلى الحمرة، وإنهم يحبون الحمرة “.

و جاء اللون الأحمر في وصف حالة الغضب، فقد وصف النبي عليه الصلاة و السلام و الآل إذا غضب للحق بأن عيناه أو وجنتاه تحمران :

في صحيح ابن حبان : عن جابر بن عبد الله، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه، واشتد غضبه، وعلا صوته كأنه منذر جيش ..” إلى آخر الحديث .

و مما جاء في أحاديث السنة أيضاً و صف الذهب بالأحمر :

في جامع معمر بن راشد : عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : ” أهلكهن الأحمران : الذهب والزعفران ” يعني النساء .

 

جعلكم الله ممن تحمرّ قلوبهم بحرارة الحب الإلهي

و الحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى