بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد أكرم الأكرمين وسيد الخلق أجمعين ومن والاه إلى يوم الدين وعلى آل بيته الأطياب أجمعين
موضوعنا اليوم هو في باب علم التأويل، لما له من تأثير وفائدة مرجوة في بناء أسرة اسلامية متكاملة تنشأ على عقيدة يقينية شهودية صحيحة كما فعل الصحابة في زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير من كان قدوة لهم وقائداً عظيماً .. وتبعهم من بعدهم الخلفاء رضي الله تعالى عنهم أجمعين .. حيث كانت أمهاتنا زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقتدين به ومصدقين له وراضين بما أنزل عليه من ربه، بل وكانوا يتسابقون لتطبيق ما أنزل عليه من ربه ليحوزوا مقام الجهاد الأكبر ليكونوا سعداء بالقرب من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الآخرة كما هم في الدنيا . ولنقول أن أحد هذه الأبواب التي سلوكها أمهاتنا زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو باب جهاد وليس أي جهاد، إنما هو الجهاد الأكبر الذي هو أعلى مرتبة في الجهاد في سبيل الله تعالى . فقد قال تعالى في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الروم 21
فالزوجة في علم التأويل كما هو مذكور في الآية الكريمة : النفس ( خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ) ومن هنا يأتي دور الزوجة في كسب هذا المقام ( مقام الجهاد الأكبر ) كما فعلنه أمهاتنا زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك بإطاعة الزوج بما شرع به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تكن قد حازت على هذا المقام . قال تعالى في كتابه العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم : { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ } يس 56 ..
وفيما جاء في باب الجهاد :
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه عندما رجع من بعض غزواته قال : ” رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : مجاهدة العبد هواه ” رواه البيهقي .
فالجهاد الأصغر هو : القتال في سبيل الله تعالى .
والجهاد الأكبر هو : ( مجاهدة العبد هواه ) والمقصود بالهوى أي : النفس .
قال ابن القيم في زاد المعاد :
الجهاد أربع مراتب أولها جهاد النفس وثانيها جهاد الشيطان وثالثها جهاد الكفار ورابعها جهاد المنافقين .
مراتب جهاد النفس :
فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً :
الأولى : أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين .
الثانية : أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها .
الثالثة : أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله تعالى من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله عز وجل .
الرابعة : أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله تعالى وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله جل وعلا . فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيماً في ملكوت السماوات .
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان :
الأولى : جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان .
الثانية : جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر . قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة 24 .
فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات . مراتب جهاد الكفار والمنافقين :
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب بالقلب واللسان والمال والنفس وجهاد الكفار أخص باليد وجهاد المنافقين أخص باللسان .
جعلنا الله تعالى وإياكم لمن يسمعون القول ويتبعون أحسنه والحمد لله رب العالمين .