مجلة كلمة الله تعالى

(محدثون من أهل الكشف (3) – بقلم : الدكتورة نور ميري – العدد (72

بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين و صلي اللهم و سلم و بارك على سيدنا محمد الأمين خير من حدَّث بالحق عن ربه و على آله و صحبه أجمعين و الصدّيقين و الورثة و التابعين

عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدَّثون ، فإن يك في أمتي أحد ، فإنه عمر ” * أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب المناقب , و مسلم في كتاب فضائل الصحابة .

و زاد زكرياء بن أبي زائدة ، عن سعد ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ” لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال ، يُكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ” قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ” من نبي ولا محدث ” * أخرجه البخاري .

التحديث هو من عوالم الكشف :

من أشهر حوادث التحديث المعروفة حادثة ( يا سارية الجبل ) لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه , و قد ذكرها الشيخ العارف بالله عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى كدليل من أدلة ” الكشف عند عمر بن الخطاب ” حيث جاء ذكرها في كتابه (حقائق عن التصوف) كما يلي :

” قال التاج السبكي رحمه الله تعالى : كان عمر رضي الله تعالى عنه قد أمَّرَ سارية بن زنيم الخلجي على جيش من جيوش المسلمين، وجهزه على بلاد فارس، فاشتد على عسكره الحال على باب نهوند وهو يحاصرها، وكثرت جموع الأعداء، وكاد المسلمون ينهزمون، وعمر رضي الله تعالى عنه بالمدينة، فصعد المنبر وخطب، ثم استغاث في أثناء خطبته بأعلى صوته: [يا سارية ! الجبل. من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم] . فأسمع الله تعالى سارية وجيشه أجمعين، وهم على باب نهاوند صوتَ عمر، فلجؤوا إِلى الجبل، وقالوا هذا صوت أمير المؤمنين، فنجوا وانتصروا” .

وقال التاج السبكي معلقاً على حادثة سيدنا عمر : ” لم يقصد إظهار الكرامة , و إنما كُشف له , و رأى القوم عياناً , و كان كمن هو بين أظهرهم حقيقة , و غاب عن مجلسه بالمدينة و اشتغلت حواسه بما دهم المسلمين , فخاطب أميرهم خطاب من هو معه ” .. حجة الله تعالى على العالمين للشيخ يوسف النبهاني البيروتي ص 860 .

” و يرجع هذا الكشف إلى أن العبد اذا انصرف عن الحس الظاهر إلى الحس الباطن تغلبت روحه على نفسه الحيوانية المتلبسة ببدنه – و الروح لطيفة كشَّافة – فيحصل له حينئذ الكشف , و يتلقى واردات الالهام ” حقائق عن التصوف لعبد القادر عيسى ص 420 .

” و حديث الفراسة أصل في الكشف الذي يقع لكثير من الأولياء تجد الواحد منهم يكاشف الشخص بما حصل له في غيبته , كأنه حاضر معه . و هي فتنة في حق من لم يتخلق بأخلاق الرحمن ” حقائق عن التصوف لعبد القادر عيسى ص 432 .

” وقف نصراني على الجنيد رحمه الله تعالى : و هو يتكلم في الجامع على الناس , فقال : أيها الشيخ ! ما معنى حديث : ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى ) . فأطرق الجنيد ثم رفع رأسه و قال : أسلم، فقد جاء وقت إسلامك , فأسلم الغلام ” الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمي ص 229 .

التحديث الحق :

و من المهم جداً الانتباه و التفريق ما بين (التحديث الحق) الذي يأذن به الله تعالى لأهل الكشف من عوالم النور , و بين ما قد يأتي من (معلومات عن طريق الجان أو الكهان) من عوالم الدنس الشيطاني :

عن عائشة رضي الله تعالى عنها : ” سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكهان ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” ليسوا بشيء ” قالوا : يا رسول الله ، فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” تلك الكلمة من الحق ، يخطفها الجني ، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة ، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة ” * أخرجه البخاري في صحيحه .

قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى : ” للملائكة تأثيرات في الأرواح البشرية بالإلهامات و المكاشفات اليقينية و المقامات الحقيقية , كما أن للشياطين تأثيرات في الأرواح بإلقاء الوساوس فيها و تخييل الأباطيل إليها “

قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : ( لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات والأرض ) أخرجه أحمد عن أبي هريرة . 

” و حديث الفراسة أصل في الكشف الذي يقع لكثير من الأولياء تجد الواحد منهم يكاشف الشخص بما حصل له في غيبته , كأنه حاضر معه . و هي فتنة في حق من لم يتخلق بأخلاق الرحمن ” حقائق عن التصوف ص 432 .

و نختم بقول الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى : ” و لا شك أن تلك الأسرار الروحية لا تدرك بمجرد الكلام , فمن لا نصيب له في شيء منها لا يضره أن يكلها إلى أربابها … و أدنى النصيب من هذا العلم التصديق به و تسليمه لأهله , و أقل عقوبة من ينكره أن لا يرزق منه شيئاً . و هو علم الصديقين و المقربين ” .. ذكره في حديثه عن الالهام في كتاب حقائق عن التصوف ص 447

……. فتفكّر و افهم , فتح الله تعالى لك و لنا من فضله , و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل و الحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى