مجلة كلمة الله تعالى

(رسالة في معرفة علامات.. – بقلم : سماحة علَّامة الديار الشامية الشيخ د.هانيبال حرب – العدد (71

” عدد خاص “

لسماحة علَّامة الديار الشامية الشيخ د.هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين حبيبي محمد وآله وصحبه أجمعين

للعارف بالله شيخ الطريقة

الهانيبالية الكمالية سماحة علَّامة الديار الشامية الشيخ د.هانيبال يوسف حرب

” رسالة في معرفة علامات الحب الإلهي للعبد “

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد المرسلين حبيبنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :

اعلم أيدك الله تعالى بالحب الكامل أن من أرقى ما يصل إليه الإنسان في هذه الحياة الدنيا أن يتصف بالعبودية وأن يرتقي منها إلى العبودة وإن من أعذب التجليات الإلهية على هذه العبودة هو تجلي الحب المفضي إلى اللذة , ولعلي لن أعرف لك الحب هنا لأن من يريد أن يُعرّف – بضم الياء وتشديد الراء – الحب يتوجب عليه أن يحيط بكل أبعاده , وبما أن الحب مقام من مقامات الاشتراك ولا نعلم من استطاع أن يحيط به بكل علومه وفهومه ومطالعه وحدوده وبواطنه وظواهره وذاتياته و عرضياته و اصطلاماته ومنصاته و معارجه وتنزلاته وتجلياته وبدائعه وصنائعه وجمالياته وجلالياته وكمالياته … إلخ فإنه يتعذر وضع حد معلوم معروف له فأنه الحضرة التي لا نعرف منها إلا شطآنها مع القليل من الغوص الذي لا يجرؤ أحد منا على الوصول إلى قاعه , فدعنا من حده وتعال معي لتتكشف لنا علاماته والتي منها :

العلوم التشريفية في القرآن الكريم والسنة الشريفة فإن العبد إذا أحبه الله تعالى أعطاه العلم التشريفي التعريفي بربوبية الحقِ عليه في مظهره فيتحقق العبد بمعرفة نفسه فيعرف بذات المعرفة ربه المتجلي عليه تلك المعرفة القائمة على أساس العلم وقد أخبرنا على لسان المحبوب صلى الله عليه وسلم ” ما اتخذ الله ولياً جاهلا قط ولو اتخذه لعلّمه ” فمسقط الحب الذي هو قلب العبد المحبوب إنما هو على علم مدرج في هوية الولي المحبوب فإذا بالمعرفة تتألق وتسطع في قلب هذا المحبوب العبد من الحبيب الرب لتشرق على لسان العبد المحبوب نوراً وحكمة ومعرفة وولاية تصرّح بكل ما فيها عن جمال الله تعالى فيها وعن حب الهوية الإلهية لذات العبد وقد أخطأ من ظنّ أن علامة الحب هي التصرف في الأكوان فإننا قد رأينا من يتصرف في الأكوان وهو ليس من أهل الحب الإلهي فعلمنا عن الحق أن التصرف في الأكوان يُمنح من الله تعالى لمن هو محبوب ولمن هو غير محبوب , أما المحبوبون المختارون من قِبل الحب الإلهي المصطفون لحبه الذاتي إنما يعطيهم العلمُ به له وعلامتهم التي تميزهم عن غيرهم من العلماء هو ظهور بعض العلوم الخاصة التي لا تكون إلا علامة على التشريف الذاتي من كونهم محبوبين , فالعلماء في هذا العالم كثيرون و ليس كلُ عالمٍ محبوب , ولنذكر هنا أسماء علوم هي من علامات الاصطفاء والحب الإلهي لعبيد الخصوص الودّي عبيد الحب الإلهي , منها علم الفقه الشرعي في القرآن والسنة الشريفة ولو بأدنى ما تصح به الحياة وهو باب العبادات والمعاملات , ومنها علوم التشريف في القرآن الكريم كأن يظهر على العبد المحبوب علم من علوم الحرف سواء كان علماً كشفياً أو علماً قدروياً من علوم الحرف , وكأن يظهر على العبد المحبوب علم خاص مضبوط بقواعد القرآن الكريم والسنة الشريفة يعطي هذا العبد المحبوب نشوة الحب ببحر خاص , ومنها علم معرفة النفس المفضي إلى معرفة الربِّ ضمن قواعد وقوانين العقيدة الإسلامية الصحيحة التي كان عليها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على أن يوصله ذلك إلى معرفة السر الإلهي الخاص والمعروف عندنا بالوجه الخاص للعبد من طريق القوم , وهذه الأربعة من فقه و عقيدة و معرفة بالربِّ وعلم تشريفي ولو واحد من العلوم هي ضرورية ولا بد منها كشرط في معرفة حب الله تعالى لهذا العبد المحبوب من خلال علامة العلم , ولم نقل هنا بظهور الكرامة والتصريف في الكون لوجود الكثير من الأولياء الذين هم في حياض الحب الإلهي ممن لم يعطهم الله تعالى التصرف في الأكوان بل اجتباهم وخصهم بمحبته الذاتية له لا للأكوان حتى أنه جل وعلا يقدسهم وينزههم عن مخالطة الأكوان حتى يبقيهم في قرب لا يؤثر فيه حجاب الأغيار , وهم على نوعين: الأول منهم المأمورون بالظهور فيظهرون علماء محبوبين والنوع الثاني : المأمورون بالخفاء فلا يظهرون ولا يعرفهم الكون , أما المتمكنون منهم الذين توجه عليهم الحق باسمه المتين فسقاهم بنور الرسوخ فهُم على ثلاثة أنواع : منهم من يُعطى التصرف في الأكوان ويؤمر بالظهور به ومنهم من يُعطى التصرف في الأكوان و لا يؤمر بالظهور به بل يؤمر بإخفائه ومنهم من يُعطى التصرف في الكون وُيخيّر وأغلب العبيد المحبوبين إذا خيروا يختارون ترك التصرف ليتفرغوا لحب الإله , وإليك يا وليي في الحبيب تعالى بعض العلوم التي يمكن أن تضاف إلى الأربعة السابقة لزيادة الكشف والمعرفة في هذه العلامة علامة العلم فإنه كلما ازداد العبد المحبوب ارتقاء في الحب أعطاه الله تعالى علماً زيادة من هذه العلوم ، ومن هذه العلوم علم التصرف في الأكوان , و منها علم إنزال الروح في جسد الحرف , و منها علم من علوم فواتح السور أو أكثر والتي أفردتُ لها باباً خاصاً في كتاب الفتوحات المجددية فلتُطلب معرفتها من بابها , و منها علم من علوم الحب الإلهي الممنوح للعبد جزاءً على قرب النوافل حيث يكون العبد متقرباً بالنوافل وقد أفردتُ لها باباً خاصاً في كتاب الفتوحات المجددية فلتُطلب معرفتها من بابها إلا أنني أذكر هنا استشهاداً علم كينونة القدرة الإلهية بيد العبد وهذا العلم يكون تشريفاً لعبد أحبه الله تعالى فكان يده التي يبطش بها مع أننا نعلم أن ما من يد باطشة في الكون إلا وقدرة الله تعالى هي التي تحركها وتبطش بها , ولهذا لم نكتفي بتعريف العبد المحبوب أن تكون يده باطشة بالله تعالى بل يجب التعريف من الحق له أن الله تعالى يده التي يبطش بها , وينسحب مع هذا التعريف كمٌ من المعارف والعلوم إذا عرفها العبد كان العلم في حقه علامة حب الله تعالى له , كأن يعلم علوم اليد الإلهية إجمالاً في الإجمال وتفصيلاً في التفصيل مُلكاً وملكوتاً فيعرف هذا العبد معارف تفيض عنها علومٌ تُفصّل لنا معلومات في الملكوت يُعرّفها ـ بضم الياء وتشديد الراء ــ هذا العبد من فلك اليد وكذا تفيض عنها علوم تُفصل لنا معلومات في الملك يُعرّفها ـ بضم الياء وتشديد الراء ــ هذا العبد , فإن الله تعالى قال في كتابه العزيز في خصوص الملكوت ” بيده ملكوت كل شيء ” وفي خصوص المُلك ” بيده الملك وهو على كل شيء قدير ” ولا عجب بأن ينطق لسان المحبوب بعلوم الحبيب الله تعالى الخاصة بعلم كينونة القدرة الإلهية بيد العبد مما لم يُسمع من قبل في دائرة العلم ويكون هذا العلم اختصاص إلهيٌّ لهذا العبد ولكن يُشترط في أي علم خاص ألا يخرج عن ضوابط العقيدة الحقّة في الله تعالى وألا يتناقض مع حقائق القرآن الكريم والسنة الشريفة الصحيحة. أما عن علوم التشريف من حيث العدد فهي مما لا يحصيه إلا الحق تعالى ولنكتفي بما بسطناه في هذه العلامة العلمية.

ومن العلامات أيضاً حفظ الظاهر على العبد ونعني بهذا ألا يكون هناك مكر إلهي فيما يفتح الله سبحانه وتعالى به لهذا العبد وهذا المكر لا يكون في العلم بل هو في الكرامات حصراً وخرق العوائد فتنبه , وإذا أطلقنا لفظة المكر في الأوصاف الإلهية , وهذا مشروع بل إن الله تعالى وصف نفسه في قرآنه بالمكر الحق فقال في كتابه العزيز ” ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ” والمكر الإلهي بالعبد هو أن يستمر الحق بالفتح الخارق للعادة وإعطائه الكرامات مع مخالفة العبد لله تعالى , وبمعرفتك لمعنى المكر الإلهي هذا تستطيع أن تجزم أن الفرق بين العبد الممكور به وغير الممكور به هو حفظ ظاهر العبد عن المخالفات و لايكون حفظ ظاهر العبد عن المخالفات إلا بإقامة الشرع الإسلامي ونستطيع القول أن علامة الحب الإلهي معرفة الهوية بشهود أحديتها في الباطن وإقامة أحكام شريعتها المحمدية في الظاهر وغير ذلك فهو مما نستطيع القول فيه أنه في بحار المكر الإلهي .

ومن علامات الحب الإلهي للعبد أيضاً ظهور تجليات اسم الواسع على العبد , وخصوصاً رقائق العموم , فإذا عمّ الحب هذا العبد فقد وسع جميع عوالمه ولهذا السر في أهل الحب أشار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عندما تكلم عن أبدال الشام في دمشق وأوصافهم في حديث له مرتبة الحسن ذكره الإمام السيوطي رحمه الله تعالى وزاده نورا في رسالة ” الخبر الدال ” ولا أروي الحديث من رسالته بل أشير الى وجود الحديث فيها وإنما أرويه بسندي المتصل عن أشياخي إذا أردت روايته ولعموم معرفته في عصرنا هذا أكتفي بوصف في ذاك الحديث وهو أنهم موصوفون بسلامة الصدر , وما سلامة الصدر هذه إلا لعموم من اسمه الواسع فيسَعون بصدورهم ما يصدر عن أهل الحجاب وما يصدر عن أهل التوحيد وما يصدر عن ذات الله تعالى من ظاهر إلى باطن و من باطن إلى ظاهر , ولا تتخلف رقائق العموم هذه عن ذوات المحبوبين وإلا فقدوا حبيبهم المتجلي لهم في قلوبهم فإن السموات والأرض لم تسع الحق ووسعه قلب أحبابه المؤمنين به , وهناك حال أحب أن أوثقه هنا وهو إمكان بطون هذا الوسع عن أهل الحجاب فيظهر حبيب الله تعالى العبد وكأن صدره ضيقاً بما يجري , فاعلم أيدك الله تعالى بنوره الاعتصامي الحق أن هذا الحال إنما يجري على العبد المحبوب من سطوة مقام قول الحق والحب في الله تعالى فإن بغضوا في الله تعالى فقالوا الحق بالحق بطن عموم الوسع عن أهل الحجاب فانتبه لما ذكرته لك, فإنه هنا لم يخرج عن حقيقته الموصوف بها وهي سلامة الصدر ووسع القلب , بل هو هنا حكيم يُظهر تجلياً حقانياً من مقام الحب في الله تعالى والبغض في الله تعالى , والعلامة لازمة لهذا العبد أي عموم الوسع فتنبّه.

ولنكتفي بما ذُكر في هذا الباب فإنما قصدُنا العرض لا البسط فإنها من الأسرار الخاصة لأصحاب ولاية الإرشاد وأدبنا مع كل ولي مرشد ألا نفضح علامات الحب في غير أهلها وهذا وارد الوقت والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين.

 

فصل في علاماتٍ مغلوطة وضعت على أوصاف أهل الحب ظلماً

إن من العلامات ما هو حق من الرب الحبيب الودود , ولما كانت تُثبت مصداقية رجال الله تعالى من وجه في كل زمان ومكان وتدعمهم في الملك والملكوت , قام أهل الحجاب بوضع علامات خاطئة الهدف منها الإطاحة بفكر الولاية وبالأولياء عامة فما الأولياء إلا أهل الحب لله وما أهل الحب الإلهي إلا أولياء الله تعالى ومن هذه العلامات أقوال باتت في عصرنا هذا قوانين للإدانة منها :

( أن الولي يستحي من الكرامة كما تستحي العذراء من حيضها ) وكأن يقولون
( أن الولي لا يقول عن نفسه أنه ولي ) هذا الأمر وإن كان قد قال به أحد العارفين لأنه كان حاله وتداوله بعض العارفين من بعده إلا أن الحياء من الكرامة إنما هو حالٌ نادر مخصوص بطبقة معينة من الأولياء ومن الظلم الكبير تعميم هذا الحال على كل أولياء الله تعالى فإن من الأولياء من يتشرف بكرامة الله تعالى له على حيائه من ظهور الكرامة عليه , هذا إن كان مأموراً بسترها , فأظهرها الله تعالى رغماً عن الولي , وإلا فهم لا يخالفون أوامره فلا يظهرون ما أمر بستره , أما إذا كان الولي مأموراً بالظهور فإن حياءه من ظهور الكرامة عليه هنا إساءة أدب مع الحق يستوجب أن يخجل من الحق إذا أخفاها , وقد رسّخ علماء الرسوم وتجار الشريعة من أهل الحجاب هذا الحال النادر وجعلوه من علامات الولي عموماً , حتى أني رأيت من الناس من يرى الولي يظهر فينفر عنه ورأيت من الأولياء من يتأذى بظهوره من اعتقاد الناس بهذه العبارة ومحاربتهم له بناء على اعتقادهم فيها فيحاربهم الله تعالى في حياتهم الدنيا لحربهم وعنادهم لوليّه حتى شاعت هذه العلامة في عصرنا هذا وباتت تستخدم للإطاحة بأولياء الله تعالى جميعاً , وكلما ظهر وليٌّ حورب على أساسها وكأنها القانون الكوني الأشمل , ولا يخفى عليك ما في هذا الفكر من أذى على أولياء الله تعالى , والأعجب من ذلك أن أهل الرسوم وتجار الشريعة في عصرنا باتوا يعتمدون هذه العبارة كقاعدة أساسية حتى أنهم ينسفون بها قواعد ظهور الولاية المنصوص بها في القرآن الكريم , وفي هذا كفر صريح لم يتفطن به الكثير من أهل هذا العصر , فأين هم من حبيبي المصطفى عندما عرّف بنفسه وهو الأسوة الحسنة لنا وقال ” أنا سيد ولد ابن آدم ولا فخر ” فأظهر كرامةً وهبه إياها الله تعالى وهي السيادة , وأين هم من قوله ” كنت نبياً وآدم بين الماء والطين ” وأين هم من عيسى عليه السلام عندما أتحف الكون بسلسلة من اكرامات الحق له في لحظات الظهور الأول في هذا الكوكب فقال ” إني عبد الله آتاني الكتاب ” ثم أردف بسلسلة من الإكرامات الإلهية منها أنه المبارك وأنه الموصى وأنه البَّر وأين هم من ظهور النيابة الهارونية وأين هم من ظهور موسى عليه السلام بكل كلمة كلمه بها الله تعالى وله في كل حرف في ذاك الكلام إجمالاً وتفصيلاً كرامة , فإن قلت هؤلاء أنبياء ورسل وحق لهم ذلك , فاعلم أن العلماء ورثوا الأنبياء وهم على خطاهم ولهم التعريف كما عرّف السادة المتبوعين الأنبياء والرسل وكأن الناس اليوم لم تقرأ قصة الخَضِر مع موسى عليه السلام في سورة الكهف , عند من يقول أن الخضر هو العبد الصالح المقصود فيها , وعلى كلا القولين فإن الخضر عرّف عن ولايته لموسى عليه السلام , وكأنهم لم يقرءوا قصة ذي القرنين وتعريفه للناس بولايته مع الله تعالى وهو ليس بنبي على بعض الأقوال بل هو عبد صالح , وكأنهم لم يقرءوا سورة لقمان الحكيم وكيف ظهر بحكمته كرامة الله تعالى له وهو ليس بنبي على بعض الأقوال بل هو عبد صالح , وكأن كرامة مريم عليها السلام وهي ليست بنبيّ بل هي أَمَةٌ صالحة بل كرامات ظهرت على مظهرها من وجود رزق الصيف في الشتاء وطعام الشتاء في الصيف وفي معبد الحاخامات وعلى مرأى منهم , أليس من الكرامات الظاهرات الجليّات لزوجة زكريا عليه السلام أن يحيا فرجها فتلد صبياً , أوليست نفس الكرامة ظهرت على زوج إبراهيم عليه السلام , والكثير الكثير من هذه الظهورات في القرآن الكريم يكفيني شاهد منها لتعلم أن الشرف والسؤدد بل كل الرفعة في ظهور تلك الخوارق للعادة من كونها كرامات لأصحابها الذين إن كفرنا بكراماتهم في القرآن الكريم كفرنا بآيات الله تعالى , عجيب كيف يؤمن علماء الرسوم وأهل الحجاب بخوارق للعادة تظهر على ابليس في قطع الأرض من الشرق إلى الغرب في لحظة وينكرون على آصف بن برخيا العبد الصالح والوزير البشري لسليمان عليه السلام في جلب العرش من الجنوب إلى الشمال كل تلك المسافة في طرفة عين , مالكم كيف تحكمون , أولم تؤمنوا أن الله تعالى على كل شيء قدير , أوليس من طلاقة قدرة الله تعالى أن يسمح لبعض الأولياء بالظهور ولبعضهم بالبطون كما تقتضي حكمته وعلمه وخبرته , أفنجعل المسلمين كالمجرمين , أم أن الفاسق كالمؤمن , ألم تظهر على خمسة وخمسين صحابي جليل من أتباع محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كرامات تتناقلها الأجيال إلى يومنا هذا , ألم يظهر الأخ والحبيب في الله تعالى تميم الداري بكنس النار كرامة له من الله تعالى وهو عبد صالح , ألم يظهر الأخ والحبيب في الله تعالى عبس بن جبر بالنور في يده كرامة له من الله تعالى , ألم يظهر الأخ والحبيب في الله تعالى خبيب بن عدي بالتحلل من القيود وأكل العنب الشامي في أرض الحجاز بغير سبب مباشر ظاهر كرامة له من الله تعالى , ألم يظهر أمام كل المسلمين الأخ والحبيب في الله تعالى عمر بن الخطاب بـ ” يا سارية الجبل الجبل ” كرامة له من الله تعالى , ألم يظهر جيش المسلمين بقيادة الأخ والحبيب في الله تعالى أبو العلاء الحضرمي حيث مشى الكل بخيولهم على الماء كرامة من الله تعالى للكل , ألم يظهر الأخ والحبيب في الله تعالى سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بسلطانه على كل حيوانات الغابة كرامة من الله تعالى له .

عجباً كيف يقبل الناس اليوم من وزير وفنان ومحامي ومهندس وطبيب أن يقولوا نحن كذا , فإذا جاؤوا إلى الولي تهافت أهل الحجاب للإنكار عليه وكأن الولاية عار , لم تعد تستحي في هذا الزمان أن تعلن وتشهر نفسها لتدعو إلى ملذات تعد الآخرين بها فإذا جاء الأمر إلى رجل من رجال الله تعالى صار ظهور الكرامة والولاية عليه عار يُدان به , متى ستفرقون بين استحى وخجل , فأولياء الله تعالى تستحي ولا تخجل , فالخجل لا يكون إلا مما هو قبيح والحياء ليس كذلك , عجبا كيف تقبل الأمة الحياء مبرراً لعدم الظهور فإن النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان أكثرنا حياء ولم يخجل من شيء قط وكان أشدنا ظهوراً أليس لنا به أسوة حسنة , ألم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليا ظاهراً ألم يقل انه أمير المؤمنين ألم يقل أنه خليفة خليفة رسول الله تعالى , ألم يقل سيد الأولياء علي كرم الله وجهه وزاده نور وصلاة عليه وعلى آله كل السلام ” سلوني قبل أن تفقدوني ” ألم يقل ” أنا أعلم منكم بطرق السموات من طرق الأرض ” , ألم يقل الحق في كتابه العزيز الكتاب الذي ملؤه الاكرامات والخوارق للعادات ” لا تبخسوا الناس أشياءهم ” فما الذي جرى للأمة اليوم حتى تجاوزت بخس الأشياء إلى بخس الأولياء كرامات الله تعالى لهم , إنا لله وإنا إليه راجعون , كم هي كثيرة تلك الأغاليط والأحوال النادرة التي تُصبغ بالتعميم وتُجعل قواعد لا لتحديد الأولياء وولايتهم فحسب بل لإدانتهم ومحاسبتهم , كأن يقولون على سبيل المثال لا الحصر أن الأولياء موصوفون بوصف خاص فكل ولي يجب أن يكون أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله تعالى لأبرّه , وهل كان كل من ذكرتهم سابقاً من الأولياء سواء كانوا رسلاً أو أنبياءً أو عبيداً صالحين أو صحابة أجلاء شعثاً غبراً أصحاب طمرين مدفوعون بالأبواب , ألم يكونوا ممن لو أقسموا على الله لأبرهم ولم يكونوا شعثاً غبرا ولا مدفوعون بالأبواب , أوليس هذا الحديث إنما هو مخصوص بطبق معيّنة من طبقات الأولياء فلم التعميم على الكل إلا إن كان بقصد التعدي على أولياء الله تعالى ولتصل الأمة إلى ما وصلت إليه في عصرنا هذا من الابتعاد عن أوليائهم لكثرة ما حشرت في أدمغتهم من تعميمات لأحوال خاصة , وجلّ ربي عندما وضع القانون الأزلي الأبدي لتمكين عزة الأولياء , حيث لم يتخذ ولياً من الذل فكانت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وبين الرسالة والإيمان للأولياء تضميناً في الآية ” ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون , فهُم في النور ومن حُجب عنهم هو الخاسر الوحيد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى