والصلاة والسلام على رسول الهدى وإمام المتقين وآله وصحبه أجمعين
عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( لو أنكم تتوكلوّن على الله حق توكلّه لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً وتروح بطاناً ))
أي تذهب في أول النهار ضامرة البطون فارغتها ، وتروح في آخر النهار ممتلئة البطون من الشبّع .
هذا الحديث يؤكد العقيدة الإيمانية في قضية الرزق ، ويوجه المؤمن إلى صدق التوكل على الله ، حتى تكون مساعيه في اكتساب الرزق متسّمة بخلق الثقة بالمقادير الربانية ، وبالوعد الرباني الذي ضمن الله فيه لعباده أرزاقهم ، وكلـَفهم السعي لتحصيل ما قسم لهم ، فما تموت نفس حتى تستوفي ما قدّر لها من رزق .
وهذه العقيدة الإيمانية قد تولى القرآن الكريم بيانها في مواضع كثيرة وفي مناسبات مختلفة ، حتى يطمئن الناس على أرزاقهم ، فلا يقلقوا من أجلها ، ولا تكون سبب بخلهم أو جبنهم أو تتبعهم طرق الكسب الحرام .
ومن النصوص المقررّة لهذه الحقيقة الإيمانية قول الله تعالى في سورة ( الذاريات ) :
ولكن الرزق يأتي الإنسان أحياناً من حيث يحتسبه ، أي من الجهة التي يدخلها في حسابه ، وقد يأتيه من حيث لا يحتسب ، ولكن الذين يتقون الله يميزهم بأنه سبحانه يرزقهم من حيث لا يحتسبون ودليل هذا قول الله تعالى في سورة ( الطلاق ) :
ولكن الرزق المضمون لا يشترط أن يكون متساوياً بين أفراد المرزوقين ، بل التفاوت والتفضيل بين الأفراد هو السنّة الثابتة في قضية الرزق ، ويدل عليه نصوص كثيرة ، منها قول الله تعالى في سورة ( النحل ) :
أما التفضيل فله حكم ربانية كثيرة ، منها امتحان الناس بعضهم ببعض ، ومنها امتحان الغني هل يشكر أم يكفر ، وامتحان الفقير هل يصبر أم يضجر .
هذه قضية الرزق وما يتعلق بها من مفاهيم إيمانية ، ومن واجب المؤمن الخُلقي في علاقته بربه خالقه ورازقه أن يؤمن به ، وبكل صفات الكمال التي له وبكل ما أخبر به ، وإلا كان مدنساً بقذارة الجحود والكنود ، وبخساسة نكران الحق ونكران الجميل ، وبخساسة التكذيب بالحق .
فمن حق من ضمن الرزق لعبده ضماناً قطعياً وهو يعلم أنه لا يخاف وعده ، أن يصدقه وأن يسعى في اكتسابه رزقه الذي قدره له كما أمره ، وحين يسعى في اكتساب رزقه لا يعلق قلبه بالأسباب التي يباشرها ، بل بمسبب الأسباب الذي ربط النتائج بها .
وهذا سلوك أخلاقي واجب ، لأن تأدية الحقوق الواجبة مما تفرضه مكارم الأخلاق .
فتعليق القلب بالخالق مسبب الأسباب مع مباشرة الأسباب التي أمر بها هو التوكل الحقيقي على الله ، وهو التوكل الحقيقي المطلوب في الإسلام ، وهو مقام إيماني ، وحقيقة خُلقية .