اللهم صلي على سيدنا محمد خير من علم العقيدة وخير من عمل بها وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً
من يصل أولاً، تلا أستاذ الفيزياء عنوان المسألة على الطلبة بعد أن أتموا درس الأجسام المتحركة والسرعة، وقد اعتاد هذا الأستاذ الفذ أن يخرج بطلابه عن التمارين المألوفة، ليعطيهم تمارين أقرب إلى الواقع وتتمتع بشيء من الطرفة حتى اعتاد الطلاب على أسلوبه .
المعلم : هناك ثلاثة أشخاص تامر وعامر وسامر .
ضحك الطلاب لهذا التشابه في وزن الأسماء .
المعلم : واقفون في موقف بانتظار الحافلة للوصول إلى قاعة السينما, ولكنهم إذا استمروا كما هم و لم تأتيهم الحافلة أو سيارة الأجرة فسيفوتون بداية الفيلم .
قرر سامر أن يذهب عكس اتجاه سير السيارات أي عكس اتجاه السينما بينما قرر عامر أن يذهب باتجاه سير السيارات وبالتالي يقترب من السينما أما تامر فقد قرر البقاء حيث هو . والسؤال من سيصل أولاً ؟
ضاج الطلاب وعلت الأصوات واختلفت الآراء مثلما توقع المعلم, ولكنه تركهم يعيشون هذا الاختلاف الفكري وطلب منهم تبرير إجاباتهم .
المعلم : تفضل يا صبحي ماذا تقول ؟
صبحي : الأمر واضح جداً, إن عامر هو من سيصل أولاً, لأنه ومع مرور الوقت يتجه نحو السينما .
سليم : لا لا لا … أبداً إن سامر هو من سيصل أولاً لأنه سيكون أول من يركب السيارة أو الحافلة .
منير : يا جماعة … لا سامر ولا عامر ؟ بل تامر لأن المسافة التي سيقطعها كلاً من سامر وعامر سيراً على الأقدام لا تكاد تقارن بالمسافة إلى السينما .
جابر : أنا مع صبحي في رأيه, لأن عامر يتجه نحو السينما, فإذا تأخرت السيارة ولم تأتي فسيصل قبلهم .
سليم : ما شاء الله على هذا الذكاء, بل سامر هو من يصل أولاً لأن السيارة التي سيركبها أولاً أسرع من عامر وسيعوض سامر ما قطعه عامر سيراً على قدميه .
سمية : يا شباب ما بكم ؟ كيف لم تتنبهوا للفخ, إن السيارة التي ستقل سامر ستمر على تامر وتأخذه معها وتمر على عامر كذلك وسيصل الجميع سوية !
هدأ الصف لوهلة, وارتسمت على أعين الطلاب الدهشة, وغير بعض الطلاب رأيه مع من سيتحالف ويضم صوته, ولكن سرعان ما علت الأصوات مرة أخرى .
جابر : وماذا لو لم تأت السيارة !! معناها على الأقل يكون عامر هو من يسبق أو يصل الجميع مع بعض .
وليد : أنا أنضم إلى سليم وأقول أن سامر هو من يصل, لأنه أول من سيركب السيارة والتي ربما لا تتوقف لتامر و عامر على الطريق … على الأقل ضمنا أن سامر من يصل أولاً أو يصل الجميع مع بعض .
هنادي : الجواب على هذا التمرين نسبي, ويتعلق بقوانين السير في البلد … وأنا أقول أن تامر هو من سيصل أولاً .
تبسم بعض الطلا ب ابتسامة سخرية واستنكار على هذا الجواب فتابعت هنادي :
لأن الحافلة لن تتوقف إلا على الموقف الرسمي ولا يمكن أن تقف لسامر رغم أنه قبل تامر أو لعامر رغم أنه بعد تامر, وبهذا يكون تامر هو الوحيد الذي سيركب الحافلة ويصل أولاً .
وماذا لو كانت قوانين البلاد تسمح بالتوقف في أي مكان, أو جاءت سيارة أجرة مثلاً …. قال المعلم ليزيد من اشتداد النقاش .
اجتمع بعض الطلاب على كلمة واحدة وقالوا : إن في هذا التمرين خطأ, وهناك بعض التفاصيل الناقصة .
المعلم : لا يوجد خطأ في التمرين .
منير : يا جماعة الأمر واضح السؤال هنا منطقي وليس فيزيائي فحتى لو وصل أحدهم إلى السينما هل سيدخل قبل أصدقائه ؟ بل سينتظرهم خارج السينما ليدخلوا جميعاً مع بعض, لهذا أُأيد جواب وصول الجميع مع بعض .
تعب البعض من الطلاب واعتلت على وجوههم نظرات انتظار الجواب من المعلم .
أراد المعلم أن يزيد من حدة النقاش فأعطاهم المساعدة التالية :
ألم يحصل لأحد منكم أنه كان على موقف واحد مع عدة أشخاص ينتظر سيارة الأجرة, ما الذي فعله ليضمن الركوب أولاً وقبل الجميع ؟
هنادي : اختلف الأمر الآن مادمنا نتكلم عن سيارة الأجرة وليس حافلة .
تشكر وليد سليم ظناً منهما أن جوابهما هو الصحيح وقالا : هذا يوضح أن جوابنا هو الصحيح ففي هذه الحالة سنتجه باتجاه قدوم السيارة حتى نكون أول من يوقف سيارة الأجرة ونكون قبل الجميع .
سمية : في حالتك نعم .. لأنك لا تعرف هؤلاء الناس, أما في التمرين فهؤلاء أصدقاء, وستتوقف سيارة الأجرة عند كل واحد منهم لتحمله … فخ آخر وقعتم به, الجواب أن الجميع يصل مع بعض .
صبحي : ولكننا لطالما رأينا سيارة أجرة مبتعدة عن الموقف ويتطلب وقوفها أن تتعدى الركاب فتتوقف أمام من كان في آخر الصف … ولهذا يمكن أن يكون عامر هو من يركب سيارة الأجرة أولا بل هي الحالة الوحيدة التي يمكن لأحدهم أن يركب وحيداً في سيارة الأجرة دون أن يحمل أحداً من زملائه معه, لأنهم قبله ولا يمكن حملهم إلا بعودة السيارة .
بعض الطلاب : قلنا لكم أن هناك إحتمالات عديدة ونقص في معطيات التمرين, يجوز أن يصاب أحدهم فيلتهي الآخرين بنقله إلى المشفى ولا يصل أحد منهم أصلاً إلى قاعة السينما .
المعلم : لا يوجد نقص في التمرين أبداً .
وازداد الهرج والمرج وارتفعت الفوضى وتعالت الأصوات وتحزب الطلاب كل إلى جواب .. وبعد دقائق هدأ الجميع ونظر إلى المعلم ليأخذوا الجواب الصحيح, فيفتخر صاحب الجواب الصحيح … ولكن المعلم توجه إلى أحد الطلاب الذي ظل ساكتاً وساكناً بينما هاج الجميع واسمه عبد الله .
المعلم : لما هدوؤك هذا ياعبد الله ؟ ألن تشارك في التمرين ؟
عبد الله : بلى بلى , ولكنني أعرف الجواب تماماً ولهذا لم أشأ التشويش على الآخرين .
وهنا صار كل حزب من الأجوبة يحاول أن يضم عبد الله إلى جوابه, ولكن عبد الله قطع عليهم الطريق بقوله :
جوابي يضم كل هذه الأجوبة وغيرها أيضاَ …؟؟
استغرب الطلاب كيف لجواب أن يجمع كل الأجوبة مع بعض وكل الاحتمالات .
المعلم : وما هو جوابك ؟ من سيصل أولاً عامر أم سامر أم تامر ؟
عبد الله : الذي سيصل أولاً هو من كتب الله تعالى له الوصول أولاً, أما جمع الجواب لكل الأجوبة لأنها كلها تفصيلات في كيف ينفذ الحق تعالى ما كتبه على من سيصل أولاً, وكلها إمكانيات وفوقها آلاف الإمكانيات الأخرى, فالله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير ولا يعجز سبحانه, ولك في مثال سيارة الأجرة قدوة تجربها وترى .
المعلم : ولكن ألا ترى أننا يجب أن نتسبب ونأخذ بالأسباب يا عبد الله ؟
عبد الله : سؤال التمرين هذا ليس عن الأسباب ولكن عن مشيئة رب الأسباب المسبّب الوحيد في الكون .
ساد صمت رهيب في الصف ما قطعه إلا صوت الأستاذ .
المعلم : أحسنت يا عبد الله, إن جوابك هو الصحيح … والتفت إلى طلابه وقال : إن دراستنا للفيزياء دراسة عقلية لا يجب أن تحجبنا عن القوانين الروحية والعقائدية فنتحول من عباد لله تعالى إلى عباد للقوانين الفيزيائية, ولكننا عباد لله ندرس الفيزياء .