مجلة كلمة الله تعالى

(صحبة الصالحين (14) – بقلم : الدكتورة منى حمادي – العدد (46

hanibalharbmag-46.6

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على سيدنا محمد إمام الأولياء وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

صحبة الصالحين الجزء الرابع عشر

إن لصحبة الصالحين أثر كبير في صلاح النفوس , والإطلاع على سيَرهم وحياتهم وحكمهم لَهُوَ موعظة وشحذ للهمم حتى نصل إلى المولى عز وجل بقلب سليم , ولهذا سأختار لكم  اليوم مع الشيخ الجليل أحمد الرفاعي .

أبو العباس أحمد الرفاعي : 500 – 578 للهجرة

أبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي، الرفاعي نسبه، ابن يحيى بن حازم بن علي بن ثابت بن علي بن الحسن الأصغر ابن المهدي بن محمد بن الحسن، ابن يحيى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الشهيد الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه . 

وطريقه في الصحب صحب خاله الشيخ منصور، وهو صحب  بها الشيخ علياً القارئ الواسطي، وهو صحب  بها الشيخ أبا الفضل بن كامخ، وهو صحب الشيخ علي بن تركان، وهو صحب  بها الشيخ أبا علي الروذباوي، وهو صحب  بها الشيخ علياً العجمي، وهو صحب  بها الشيخ أبا بكر الشبلي، وهو صحب  بها الشيخ أبا القاسم الجنيد، وهو صحب  بها السري , وبقية السند معروف .

أستاذ الطائفة المشهورة، كان من حقه التقديم، فإنه أوحد وقته حالا وصلاحاً ، فقيهاً شافعياً .

أصله من المغرب، وسكن البطائح، بقرية يقال لها ” أم عَبيدة ” بفتح العين – وانضم إليه خلق عظيم من الفقراء، وأحسنوا الاعتقاد فيه .

والرفاعي، نسبة إلى رفاعة، رجل من المغرب.

والبطائح قرى مجتمعة في وسط الماء، بين واسط والبصرة، مشهورة بالعراق .

ومن كلامه  : ” من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه, والأنس بالخلق انقطاع عن الحق, والدَب سنّة الفقراء ووراثة الأغنياء “.

وسُئل  لماذا نحجب إجابة الدعوة فقال :  ” لقلة الحلال  “.

وسُئل عن الفتوة، فقال :  “هي الصفح عن عثرات الإخوان، وألا ترى لنفسك فضلا على غيرك ” .

وكان يعظ الناس بكرة يوم الخميس، وما بين الظهر والعصر منه .. وكان يسمع صوته البعيد منه في المجلس كالقريب. . ويحضر مجلسه الأصم الذي لا يسمع، فيفتح الله تعالى سمعه بكلامه حتى ينتفع بما يقول .. وكان كثيراً ما ينشد هذا الشعر:

والله لو علمت روحي بما نطقت        قامت على رأسها فضلا عن القدم

قيل أنه أقسم على أصحابه إن كان فيه عيب أن ينبهوه عليه، فقال الشيخ عمر الفاروقي  ” : يا سيدي أنا أعلم فيك عيباً ”

قال : “وما هو؟”

قال ” :يا سيدي! عيبك أننا من أصحابك ”  فبكى الشيخ والفقراء،

وقال :” أي عمر!  إن سلم المركب حمل من فيه .”

وتوضأ يوماً، فوقعت عليه بعوضة، فوقف لها حتى طارت .

وقال : ” أقرب الطرق، والذل والافتقار، وتعظيم أمر الله، والشفقة على خلق الله، وأن يُقتدى بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم “.

ولأتباعه أحوال عجيبة:  من النزول إلى النار فيطفئوها، ويركبون الأسد، ونحوه، ولهم مواسم يحضرها من لا يحصى، ويقومون بكفاية الكل، ولم تكن لغيرهم وإنما الولاية لهم وأولادهم يتوارثون المشيخة والولاية على تلك الناحية إلى الأن .. وله شعر حسن ومنه :

إذا جن ليلي هام قلبي بذكركــــــم       أنوح كما ناح الحمام المــطوق

وفوقي سحاب يمطر الهم والأسى       وتحتي بحار للهوى تتدفــــــق

سلوا أم عمرو كيف بات أسيــرها       تفم الأساري دونه وهو موثق

فلا هو مقتول، ففي القتل راحــــة       ولا هو ممنون عليه فيطلـــــق

وأحضر بين يديه طبق تمر، فبقى ينقى لنفسه الحشف يأكله، ويقول : ” أنا أحق بالدون، فأني مثله دون ” .

وكان لا يجمع بين لبس قميصين، ويأكل بين يومين أو ثلاثة أكلة .

وعنه :” الفقير المتمكن، إذا سأل حاجة وقضيت له، أنقص تمكنه درجة ” .

ولما مرض مرض الوفاة، قال له بعض أصحابه : ” أوصنا ”  فقال : ” من عمل خيراً قدم عليه، ومن عمل شراً ندم عليه ” .

وكان مرضه بالإسهال، دام عليه أكثر من شهر، وكان يعاوده في اليوم والليلة أكثر من ثلاثين مرة, وهو عقيب كل مرة يسبغ الوضوء ويصلي .. وأَخبر أن الرب تعالى وعده ألا يعبر وعليه شيء من لحم الدنيا، ففني لحمه بأجمعه قبل خروجه من الدنيا، ولم يزل على تلك الحال إلى أن توفي يوم الخميس، الثاني عشر من شهر جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، في عشر السبعين، بأم عبيدة .

وقال الشطنوفي  :” ناهز الثمانين”  في كتابه ((مناقب سيدي عبد القادر الجيلي)) .

قال:  وهو القائل :  ” الشيخ من يمحو اسم مريده من ديوان الأشقياء “

ودخل عليه شخص, وكان مكتوبا على جبهة ذلك الشخص سطرا ..  الشقاوة، فمُحى ببركته .

وهو القائل، وقد سئل عن وصف الرجل المتمكن، فقال : ” هو الذي لو نصب له سنسان على أعلى شاهق في الأرض، وهبت الرياح اليمانية ما حركت منه شعرة واحدة “

وقعد مرة على الشط، وقال :” أشتهي أن أكل سمكاً مشوياً ”  فلم يتم كلامه حتى امتلأ الشط سمكاً، ورؤي ذلك اليوم منه في الشط ما لا يرى مثله، فقال : “إن هذه الأسماك تسألني بحق الله أن أكل منها .”

فأكل القوم، وبقي في الطواجن رؤوس وأذناب وقطع, فقال له رجل :” ما صفة الرجل المتمكن؟”  

فقال :” أن يُعطى التصريف العام في جميع الخلائق, وعلامته أن يقول لبقايا هذه الأسماك قومي فاسعي فتقوم فتسعى”  ثم أشار الشيخ أليها، فكان كما ذكر .

ورآه ابن أخته عبد الرحيم أبو الفرج، ورجل قد نزل عليه، فقال له  : ” مرحباً بوتد المشرق ”  فقال له :

” إن لي عشرين يوماً لم آكل ولم أشرب!  وأريد أن آمر هذا الأوز الذي في السماء، فتنزل واحدة مشوية ” ففعل، فنزلت كذلك، ثم أخذ حجرين من جانبه فصارا رغيفين، ثم مد يده إلى الهواء فأخذ كوز ماء، فأكل ذلك وشرب ثم طار.  فقال الشيخ لتلك العظام : “اذهبي باسم الله ”  فذهبت سوية وطارت .

وقال قبل موته :  “أنا شيخ من لا شيخ له، أنا شيخ المنقطعين “.

وما تصدر في مجلس، ولا جلس على سجادة قط، وقال :” أمرت بالسكوت ” وكان لا يتكلم إلا قليلا .

وقال أبو العباس الخضر بن عبد الله الحسني الموصلي  : ” كنت يوماً جالساً بين يدي الشيخ عبد القادر الجيلاني، فخطر في نفسي الشيخ أحمد فقال الشيخ : ” أتحب رؤيته “.

فقلت : ” نعم ”

فأطرق وقال:  “حضر” فقمت إليه وسلمت عليه، فقال :  “يا خضر ! ومن يرى مثل الشيخ عبد القادر سيد الأولياء يتمنى رؤية مثلي ! وهل أنا إلا من رعيته ”  ثم غاب .  فبعد وفاة الشيخ زرته، فقال لي : “يا خضر!  ألم تكفك الأولى ؟”.

وقال الإمام أبو عبد الله محمد البطائحي : “انحدرت في أيامي سيدي عبد القادر إلى أم عبيدة،  فقال لي الشيخ أحمد اذكر لي شيئاً من مناقب الشيخ عبد القادر وصفاته فذكرت منها شيئاً , فجاء رجل في أثناء حديثي، فقال مه, لايذكر عندنا مناقب هذا , فنظر الشيخ إليه مغضباً، فرفع الرجل من بين يديه ميتاً، ثم قال  ومن يستطيع وصف مناقبه ومن يبلغ مبلغه, ذاك رجل بحر الشريعة على يمينه، وبحر الحقيقة عن يساره، من أيهما شاء اغترف لا ثاني له في وقتنا هذا ” .

ووصى أولاد أخيه وأكابر أصحابه، وجاء رجل يودعه لأنه مسافر إلى بغداد، فقال : ” إذا دخلتم بغداد فلا تُقدّموا على زيارة الشيخ أحداً, حياً أو ميتاً  فقد أُخذ له العهد أيما رجل من أصحاب دخل بغداد فلم يزره سُلب حاله ولو قبيل الموت, الشيخ عبد القادر حسرة من لم يره.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى