بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على سيدنا محمد إمام الأولياء وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
إن لصحبة الصالحين أثر كبير في صلاح النفوس , والإطلاع على سيَرهم وحياتهم وحكمهم لَهُوَ موعظة وشحذ للهمم حتى نصل إلى المولى عز وجل بقلب سليم , ولهذا سأختار لكم الشيخ الجليل أبو الخير الأقطع .
أبو الخير الأقطع 348 هـ
حماد بن عبد الله ، الاقطع التيناتي أبو الخي،. أحد مشايخ الصوفية ، صحب كثيراً من جلة مشايخ الصوفية.
أصله من المغرب، وسكن التينات، قرية على أميال من المصيصة. وكان من العباد المشهورين، والزهّاد المذكورين.
صحب أبا عبد الله بن الجلاء ، وسكن جبل لبنان ، من نواحي دمشق , وكان ينسج الخوص بيديه ، لا يدري كيف ينسجه , وحكاية قطع يده طويلة مشهورة , وكانت السباع تأوي إليه وتأنس به، ولم تزل ثغور الشام محفوظة أيام حياته ، إلى أن مضى لسبيله.
مات سنة نيف وأربعين وثلاثمائة ، عن مائة وعشرين سنة.
ومن كلامه : “القلوب ظروف فقلب مملوء إيماناً فعلامته الشفقة على جميع المسلمين، والاهتمام بهم ، ومعاونتهم على ما يعود صلاحه إليهم , وقلب مملوء نفاقاً فعلامته الحقد والغل والغش والحسد”.
وقال : “من أحب أن يطلع الناس على عمله فهو مراء ، ومن أحب أن يطلع الناس على حاله فهو مدع كذاب “.
وقال : “دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأنا بفاقة ، فأقمت خمسة أيام ما ذقت ذواقاً ، فتقدمت إلى القبر ، فسلمت على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعلى خليفته ؛ وقلت أنا ضيفك الليلة يا رسول الله , وتنحيت ونمت خلف المنبر , فرأيت رسول الله في المنام ، والصدّيق عن يمينه ، والفاروق عن شماله ، وعلي بين يديه , فحركني علي وقال لي : قم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم , فقمت إليه وقبلت بين عينيه , فدفع إلي رغيفاً ، فأكلت نصفه ، فانتبهت فإذا في يدي نصفه “.
وقيل له : ” أي شيء أعجب ما رأيت قال: رأيت عبداً أسود ، في جامع طرسوس ، أدخل رأسه في مرقعته ، وخطر في قلبه الحرم ، فأخرج رأسه وهو في الحرم “.
وقال أبو الحسين القرافي : “زرت أبا الخير، فلما ودعته خرج معي من باب المسجد، وقال :” أنا أعلم أنك لا تحمل معك معلوماً ، ولكن احمل معك هاتين التفاحتين” , فأخذتهما فوضعتهما في جيبي وسرت فلم يفتح لي بشيء ثلاثة أيام ، فأخرجت واحدة منها فأكلتها , ثم أردت أن أخرج الثانية فإذا هما في جيبي، فكنت آكل منهما ويعودان ، إلى أن وصلت باب الموصل فقلت في نفسي: إنهما تفسدان علي توكلي إذا صارتا معلوماً لي. فأخرجتهما من جيبي ثمرة , فاذا فقير ملفوف بعباءة يقول: أشتهي تفاحة , فناولتهما إلي،. فلما عبرت وقع لي أن الشيخ بعثهما إليه وكنت في رفقة في الطريق فانصرفت ، فلما كان الغد رجعت إليه فلم أجده “.
وقال أبو الحسن القرافي : “كنت ماضياً لأبي الخير أزوره فلقيت إنساناً بغدادياً ، فقال لي : “إلى أين؟ قلت أزور الشيخ ، قال :أنا ندخل إليه ، فيقدم لنا الخبز واللبن ، وأنا صفراوي, فدخلنا عليه وقدم لي خبزاً ولبناً ، ولرفيقي رماناً حلواً وحامضاً ، وقال:”كُل هذا” , ثم قال لي :” من أين صحبت هذا ، فانه يدعي”. وما كنت سمعت منه شيئاً ، فلما أن كان بعد عشر سنين رأيته بتنيس – وهو تاجر – وإذا به معتزلي محض”.
وروي عن إبرهيم الرقي قال:” قصدته مسلماً ، فصلى المغرب ، ولم يقرأ الفاتحة مستوياً ، فقلت في نفسي ضاعت سفرتي ! فلما سلمت خرجت للطهارة ، فقصدني السبع ، فعدت إليه ، وقلت :” أن الأسد قصدني” ،فخرج وصاح على الأسد ، وقال :” ألم أقل لك لا تتعرض لأضيافي فتنحى وتطهرت. فلما رجعت قال: “اشتغلتم بتقويم الظواهر فخفتم الأسد ، واشتغلنا بتقويم القلب فخافنا الأسد”.
وروي أنه كان أسود ، وفي لسانه عجمة الحبش ، وقصده بعض البغداديين – من أهل السان– ليمتحنه ومعه تلامذة له ، وأعلمهم أنه لا يحسن شيئاً ، فدخل عليه وحوله أصحابه، فسلم عليه وقال: “أيها الشيخ مسألة فقال ليس هذا موضع مسألتك ، ولكن اجلس حتى يخلو الموضع , فلما خلا أخذ بيد البغدادي، وأدخله إلى مسجد يأوي إليه للخلوة في وسط الأجمة ، فأجلسه في المسجد وقام هو يركع ، فإذا هو بصياح الأسد من كل جانب ، فارتعد البغدادي واصفر لونه ، فسلم أبو الخير وقال هات مسألتك , فغشي عليه ، فحمله أبو الخير على ظهره وردّه إلى أصحابه ، وقال :”خذوا شيخكم “، فلما أفاق هرب من عنده خفية
ومن إنشاداته:
أنحل الحب قلبه والحنين ومحاه الهوى فما يستبيــــــــن
ما تراه الظنون إلا ظنونا وهو أخفى من أن تراه العيون
ولأبي الخير ولد اسمه عيسى ، كان صالحاً أيضاً , طلب من والده الخبز ، وكان صبياً فقال: “أيما أحب إليك، أعطيك الخبز وتكون عند السبع ،أو تكون عندي بلا خبز ، قال: فقلت في نفسي هو والد ، ولا تطيب نفسه أن يتركني مع السبع , فقلت أعطني الخبز ، واحبسني حيث شئت , فأعطاني الخبز ، فلما أكلت قال لي قم , قلت :ترى يحملني إلى السبع، فقمت معه ، فدخل الغابة وأنا خلفه وإذا بسبعين ، فلما أبصرا به قاما ، فقال لي اجلس , فجلست ، ومضى هو و ريّض السبعان ، فكنت أرجف من الخوف ثم سكنت وقلت لو أراد بي أمراً لكانا قد فعلا , ثم خطر لي أنه ولهما بحفظي ، فبقيت إلى قريب المغرب هناك ، فلما جاء قرب العشاء جاء والدي ، فلما بصرا به قاما , فأخذ بيدي وأخرجني ، وخرج كل واحد منهما إلى جانب”.