الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم
رمى الرجل ملف الأوراق على الطاولة وخرج وهو يقول :” هذا غير ممكن “.
نظر مدير الجامعة إلى ضيفه خبير اللغات وهو مندهش وقال :” هذا هو السيد تاذالي , الذي لا أستطيع أن أقبل اقتراحه بأي حال من الأحوال “.
قال خبير اللغات :” ولكن لماذا لا تقبل اقتراحه وأنت مدير أكبر جامعة متخصصة في الترجمة في العالم “.
قال المدير :”السيد تاذالي مترجم متخصص في الترجمة من وإلى اللغة العربية , وهو فريد من نوعه لقدرته على الترجمة في نفس الوقت الذي يتكلم به صاحب اللغة الأجنبية , يستطيع تاذالي أن يترجم كلامه إلى اللغة العربية , ولكن الأكثر هي قدرته على الترجمة المباشرة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية , وما يميز تاذالي عن كل المترجمين الآخرين هو قدرته على ترجمة المعنى إلى اللغة الثانية بنفس أسلوب أصحاب هذه اللغة , يعني بدون ترجمة حرفية “.
خبير اللغات : ” هذا ممتاز , وهذا ما يدعم قبول اقتراحه “.
المدير : ” يا عزيزي كيف أقبل اقتراحه , انه يسيء لمهنة المترجم “.
خبير اللغات : ” ماذا !! هل يمكن أن تشرح لي اقتراحه “.
أمسك المدير بملف الأوراق الذي رماه تاذالي قبل خروجه وقال :” هل تعرف ما هذا ؟ “.
قال الخبير : ” خبرني “.
المدير : ” هذا أول معجم من نوعه في الترجمة من اللغة العربية “.
الخبير : ” ولكن نحن لا ينقصنا معاجم , فهناك الكثير منها , وهي متنوعة وتفي بالغرض “.
المدير مبتسماً : ” لا لا , هذا غير “.
الخبير :” شوقتني يا عناية المدير “.
المدير : ” هذا أول معجم متخصص في خطاب السياسيين “.
الخبير : ” ولكن هناك الكثير من المعاجم المتخصصة في المصطلحات السياسية و …. “.
المدير مقاطعاً : ” خطاب السياسيين وليس المصطلحات السياسية “.
تابع المدير : ” لقد عانى السيد تاذالي في الفترة الأخيرة من ترجمة خطاب السياسيين , لأنهم هذه الفترة يستخدمون كلمات غير مفهومة , ومصطلحات غير معروفة , ويلقون خطابات لا نعرف لها بداية ولا نهاية , ونحن أصحاب اللغة العربية و المتعودون على التفلسف واللف والدوران لا نكاد نفهم عليهم فكيف إذا ترجمت إلى لغات أمم تحكم على المرء بانجازاته لا بوعووده!, ولا يوجد لها معاني مكافئة , وترجمتها الحرفية لا توصل المعنى! “.
الخبير : ” يعني هل هذا الملف الذي بين يديك يترجم هذه الكلمات التي لا ترجمة لها “.
المدير : ” نعم و بالضبط “
الخبير : ” ممتاز , إذاً لقد قدم تاذالي حلاً رائعاً , لماذا لا تقبل به “.
المدير وهو يقلب الصفحات أمام الخبير ويريه في كل الصفحات خط برتقالي يتكرر في سطر وفي كل الصفحات : ” الإبداع أنه ترجم كل هذه الكلمات إلى كلمة واحدة فقط “.
الخبير باندهاش : ” واحدة !!!”.
المدير : ” نعم كلمة واحدة فقط تترجم كل هذه الكلمات التي يتكلم بها السياسيون هذه الأيام , وتحترم المصداقية في نقل المعنى وهي الكلمة التي تحتها خط برتقالي “.
الخبير : ” ما هي هذه الكلمة التي تترجم كل كلام السياسيين وتنقل المعنى بمصداقية”.
المدير : ” إنها كلمة (( لا معنى له )) “
الخبير بين الاندهاش والضحك .
المدير : ” أرأيت إلى أي مدى تسيء هذه الكلمة إلى مهنة المترجم , ماذا سيقول عنه الناس عندما يترجم خطاب سياسي , سيقولون إن المترجم كل ما عليه أن يقول هو (( لا معنى له )) .